الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس على المستنجي غسل باطن المخرجين

السؤال

السادة الأفاضل، أود أولاً أن أتوجه إليكم بجزيل الشكر على ما تقدمونه من معلومات تثري ثقافتنا الدينية، فأنا دومـًا ألجأ إلى موقعكم الكريم للبحث عما قد يشكل عليّ من معلومات، ولكنني قرأت فتوى لكم سببت لي وسواسا يعلم الله مداه، وهي أن ماء الاستنجاء إذا دخل من فتحة الذكر وخرج منها فهو نجس وناقض للوضوء، وبعد قراءتي لهذه الفتوى أصبحت أمكث في دورة المياه ـ أعزكم الله ـ كثيرًأ لأنني أرى أننا مهما فعلنا فسيتبقى قليل من الماء داخل فتحة الذكر، ولا تقولوا لي إن هذا وسواس والأصل عدم دخول الماء، جربوها أنتم بأنفسكم وستجدون حتمًا أن هناك ماء متبقيًا داخل فتحة الذكر، أصبحت أدور في حلقة مفرغة: ماذا أفعل؟ الماء الذي أتطهر به من البول هو نفسه الماء الذي أصبح نجسا بعد دخوله فتحة الذكر وخروجه منها، صدقوني حاولت أن أجد حلاً لهذه المشكلة فأعيتني الحيل، ففي كل مرة أتطهر فيها جيدًا من البول، أجد حتمًا قليلاً من الماء داخل فتحة الذكر، جربوها أنتم بأنفسكم وستجدون صدق ما أقول، أعلم أنكم ستقولون إن هذا من الوسواسً وإنه لزاما عليّ عدم الاسترسال مع الوساوس، ولكنني أرى أنه ليس بوسواس، ولكنها أفكار جاءتني بعدما علمت من موقعكم الكريم أن الماء إذا دخل من فتحة الذكر وخرج منها أصبح نجسـًا، والواقع يقول إن هذا هو ما يحدث بالفعل: ماء يبقى حتما داخل فتحة الذكر، وهذا ما أراه في كل مرة، هذا الماء سيخرج أيضًا حتمًا من فتحة الذكر، ومن ثم تنطبق فتواكم القائلة بنجاسة هذا الماء، ألا ترون هذه الحلقة المفرغة: أتطهر من البول بالماء، وهذا الماء الذي أتطهر به يصبح جزءًا منه نجسًا لدخوله من فتحة الذكر، وإذا أردت تطهير هذا الماء المتبقي داخل فتحة الذكر فسيدخل ماء آخر إلى داخل فتحة الذكر وسيتنجس، وهلم جرًا، أخشى أن تتحول حياتي إلى جحيم بسبب هذه الإشكالية، بالله عليكم لا تحيلوني إلى فتاوى أخرى، إذ أزعم أنني قرأت معظمها، وأتفهم وجهة نظركم في هذه المسألة، ولكنني أتحدث عن واقع ملموس ساعدوني أن أجد تأصيلاً فقهيـًا لحل هذه المسألة العويصة، على الأقل بالنسبة لي، إذ إنني أصبحت أشك في طهارة ملابسي وعدم صحة صلاتي، الرجاء ملاحظة أنني لا أتحدث عن الماء المتبقي على فتحة الذكر من الخارج فلا مشكلة لدي في هذا الماء، ولكنني أتحدث عن الماء القليل الذي يدخل من فتحة الذكر ويبقى داخلها، والرجاء مرة أخرى ألا تحيلوني إلى فتاوى أخرى أو إلى روابط أخرى تتحدث عن الوسواس، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأخ السائل قد أعطى هذه المسألة أكثر مما تستحق، فهي ليست مشكلة أصلا حتى تكون عويصة أو سهلة، فإن من المعلوم لدى الفقهاء أنه يكفي في الاستنجاء بالماء غسل ما ظهر من المخرج، والمراد بالظاهر ما يصله الماء دون تكلف إدخاله، وما بقي من البلل على المخرج ليس نجسا ولا ناقضا للوضوء، كما أن مجرد غسل رأس الذكر في حال الاستنجاء بالماء لا يعني إدخال الماء إلى داخل المسلك ولا يلزم منه دخوله، وقول السائل: أرى أننا مهما فعلنا سيتبقى قليل من الماء داخل فتحة الذكر - محض وسوسة، كما أن قوله: الماء الذي أتطهر به من البول هو نفسه الماء الذي أصبح نجسا بعد دخوله فتحة الذكر وخروجه منها ـ أمر غريب يدل على تغلغل الوساوس وتحكمها في السائل، نسأل الله العافية، وقد حذر أهل العلم من التعرض لباطن المخرج وقالوا إنه غير جائز وإنه سبب للوسواس، قال النفراوي في الفواكه الدواني: وليس عليه ـ أي مريد الاستنجاء ـ غسل ما بطن من المخرجين حال استنجائه، لا وجوباً ولا ندباً، بل ولا يجوز له تكلف ذلك. انتهى.

وقال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع: قال الغزالي: ولا يستقصي فيه بالتعرض للباطن، فإن ذلك منبع الوسواس، قال: وليعلم أن كل ما لا يصل الماء إليه فهو باطن، ولا يثبت للفضلات الباطنة حكم النجاسة حتى تبرز، وما ظهر له حكم النجاسة وحد ظهوره ـ أي ضابط ظهوره ـ أن يصله الماء. انتهى.

ونحن كنا قد أوضحنا في عدة فتاوى سابقة أنه يكفي في الاستنجاء من البول مسح المخرج بمنديل ونحوه مما يحصل به الإنقاء، والأفضل غسل المحل بالماء بعد ذلك، وإذا انتشر البول عن محله بحيث وصل إلى أكثر الحشفة وهي رأس الذكر فيتعين حينئذ الغسل بالماء، وإذا تم الاستنجاء بالماء فيكفي غسل ظاهرالمخرج فقط ولا يشرع إدخال الماء إلى الداخل، لأنه من التنطع في الدين ـ كما تقدم ـ والذي نستطيع قوله للسائل وغيره هو أننا نحذره من الاسترسال في وسواس الطهارة، فلا يطيل المكث في الخلاء إلا بقدر الاستنجاء المعتاد وليعرض عما يعتبره شيئا خارجا بعد تمام الاستنجاء، ولا يطالب بإعادة الوضوء ولا الصلاة، لأن الموسوس قد يخيل إليه دخول الماء إلى المحل أو خروجه ولم يقع ذلك، ولأنه إذا عمل على أنه خرج منه شيء وغسله فيخيل إليه خروجه مرة أخرى وهكذا إلى ما لا نهاية، فكان الإعراض هنا هو العلاج الأنجع، كما يستحب نضح الفرج والسراويل بالماء في حق من لديه وساوس في شأن الطهارة لقطع تلك الوساوس، قال ابن قدامة في المغني: ويستحب أن ينضح على فرجه وسراويله ليزيل الوساوس عنه، قال حنبل: سألت أحمد قلت: أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني أحدثت بعده، قال: إذا توضأت فاستبرئ ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه فإنه يذهب إن شاء الله تعالى. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني