الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه

السؤال

أنا ناظر على وقف منجز لوالدي المُتوفى وشرطه ما يلي: أوقفت عمارتي المذكورة وقفاً منجزاً لوجه الله تعالى يُصرف ريعه في صيانة العمارة عند الحاجة لذلك والباقي يكون لي فيه حجة واحدة ولوالدي علي حجة واحدة ولوالدتي حصة حجة واحدة وأضحية واحدة كل سنة تكون لي ولوالدي ووالدتي وذريتي حسب الاستطاعة، وما فضل من الريع يكون للمحتاج من الذرية حسب نظر الناظر، والسؤال: هل يجوز في عدم وجود من هو محتاج من الذرية حالياً أن نتصدق بالباقي في وجوه الخير كأهلنا في سوريا مثلاً؟
والسؤال الثاني: أنا مسؤول عن جدتي والتي هي والدة أبي وأنفق عليها وهي تستنزفني مادياً، فهل يجوز الإنفاق عليها من الوقف وخاصة مع عدم وجود محتاج من الذرية وكذلك الإنفاق على عمي العاجز ولا سيما أنه لا يوجد من ينفق عليهم سواي لتهرب أعمامي الآخرين من المسؤولية؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل عند الجمهور أن شرط الواقف يعمل به إن كان مما يجوز اشتراطه، قال العلامة خليل رحمه الله: واتبع شرطه إن جاز.

وفي كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع: ويتعين صرف الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف حيث أمكن، لأن تعيين الواقف لها صرف عما سواها. انتهى.

وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: إن قصد الواقف يراعى بحيث إذا حدد طريقة صرف الوقف فإن ذلك يعتبر، أو عرف مقصده بأن جرت العادة في زمنه بأشياء مخصوصة، فينزل عليها لفظ الواقف. اهـ.

وأما عن جدتك: فإن إنفاقكم عليها واجب عليكم، فقد قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: لا يعطي الرجل من زكاة ماله لا أبا ولا أماً ولا ابنا ولا جداً ولا جدة، ولا أعلى منهم إذا كانوا فقراء، من قبل أن نفقتهم تلزمه وهم أغنياء به. انتهى.

فإن كان عندكم ما تنفقون به عليها فيجب ذلك عليكم، ولا تصرفوا عليها من الوقف، وأما إن لم يكن عندكم ما تنفقون به عليها فلا يعقل أن يقال إنكم غير محتاجين في حال حاجة جدتكم، بل إنكم تعتبرون محتاجين لأداء واجب نفقتها فخذوا من مال الوقف ما تنفقونه عليها.

وأما العم: فنفقته تجب في الأصل على إخوته، لأنهم هم الوارثون له إن لم يكن له ولد، وأما إن كانوا لا ينفقون عليه فيشرع لكم أن تنفقوا عليه لقرابته بناء على مذهب الحنفية الذين يوجبون النفقة على كل ذي رحم محرم، وقد قدمنا في الفتوى رقم: 101790، أن هذا هو أرجح أقوال أهل العلم في هذه المسألة، لعموم قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ {الإسراء:26}، وما روي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: أمك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أمك، قال: قلت: يا رسول الله، ثم من؟ قال: أمك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

فقوله صلى الله عليه وسلم: ثم الأقرب فالأقرب ـ دليل على وجوب نفقة الأقارب على الأقارب، سواء أكانوا وارثين أم لا، وقيد الحنفية القرابة بالمحرمية في قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ {البقرة:233}.

عملاً بما جاء في قراءة ابن مسعود: وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك ـ ولأن صلة القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، فالنفقة واجبة للأصول والفروع والحواشي ذوي الأرحام، وإذا وجبت نفقة العم فتعتبر نفقته من حاجتكم، ويضاف إلى هذا أن تخصيص الواقف وقفه لذريته يشرع على الراجح العدول عنه لأمه عند حاجتها وعدم حاجة الأبناء، لأنه لا يعقل أن يرضى الواقف بضياع أمه، وقد قال ابن القيم في شروط الواقف: ويجوز بل يترجح مخالفتها إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله منها وأنفع للواقف والموقوف عليه، ويجوز اعتبارها والعدول عنها مع تساوي الأمرين. انتهى.

وأما الصرف على المحتاجين من إخواننا بسوريا فلا حرج فيه إن تأكدتم من عدم حاجة الأبناء، وينبغي أن يكون ذلك بتشاور منكم وتراض على ذلك، فإن الإعانة لهؤلاء الإخوة والتعاطف معهم من المطالب الضرورية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والحديث أخرجه مسلم.

والمفتى به عندنا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه يجوز تغيير شرط الواقف، لما هو أكثر مصلحة وأعظم أجرا لواقف، قال شيخ الاسلام في الفتاوى: ويجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه وإن اختلف ذلك باختلاف الزمان, حتى لو وقف على الفقهاء والصوفية واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند, وإذا وقف على مصالح الحرم وعمارته فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وإغلاقها ونحو ذلك يجوز الصرف إليهم, وقول الفقهاء نصوص الواقف كنصوص الشارع, يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل، مع أن التحقيق أن لفظ الواقف والموصي والناذر والحالف وكل عاقد يحمل على مذهبه وعادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، وافق لغة العرب أو لغة الشارع أو لا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني