الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الطبيب إذا كتب تحاليل لمريض لا يلزمه إجراؤها

السؤال

أنا طبيب مقيم، وقد طلب مني أحد الأخصائيين أن أحل محله في عيادته الخاصة أثناء سفره، مقابل المال، وقد دربني فترة قبل سفره, ولم أستطع الرفض خجلا منه, وبالفعل استلمت العيادة، وكنت أعمل سونارا للمرضى، وأعتمد في تشخيصي على ما أراه في السونار، وكذبت وقلت للمريض إنه بخير لأنني لم أجد شيئا في السونار، لأنني غير كفء، وهو يعاني من مرض ما، وعلى هذا الأساس تم وصف العلاج له، وطلبت منه عمل تحاليل، لأنني وجدت أنني غير كفء بما فيه الكفاية، واستلمت المال ولم أتصرف فيه، لأنني أحس أنه حرام وتبت, وقام الأخصائي بعد عودته بتدريبي مجددا، وبعد فترة سافر، وحصل نفس الأمر، وجلست مكانه في العيادة ولم أتصرف في المال، لأنني أحس أنه حرام, أعلم أنني قد أخطأت، ولكني أريد أن أتوب. فكيف السبيل للتوبة من هذا الأمر؟ وكيف أتصرف في هذا المال؟ وهل أتصدق به عنهم؟ ولا أستطيع إبلاغ المرضى إن كنت أستطيع الوصول إلى بعضهم بالأمر لأنهم ربما يشتكون علي وتنتهي حياتي الطبية، وهذا وارد جدا، بل ومتوقع, هل علي إبلاغهم؟ وهل يجب علي إرجاع الأموال إلى بعض هؤلاء المرضى إن كنت سأصادفهم، وقد تصدقت عنهم بالأموال التي حصلت عليها منهم ولم أصرفها، والمشكلة أن المال الذي دفعوه كان يقسم بيني وبين الأخصائي، وتصدقت بالمال الذي عندي. فهل يجب علي أن أتصدق بالنصف الثاني من المال والذي استلمه الأخصائي؟ وكيف أعوضهم عن المال الذي دفعوه مقابل ما كتبته لهم من أدوية، وتحاليل ربما لم يكونوا بحاجة إليها؟
يا شيخ قد اسودت الدنيا في وجهي وضاقت علي الأرض بما رحبت, فماذا أفعل كي تبرأ ذمتي من حق العباد؟ مع العلم أنني إنسان ملتزم لكن لا أعرف كيف فعلت هذا الأمر وكررته مرتين, وأفكر الآن أنني لو فعلت ذنبا آخر كأن أشرب الخمر، أو أزني أهون مما فعلت، لأنه لا يتعلق بحق العباد وتبرأ ذمة صاحبه بتوبته، ربما لن أتمكن من إرجاع الأموال إلى المرضى إن لم أصادفهم، علما أن بعض الحالات التي جاءت لي في العيادة تمكنت من علاجها بدون تقصير أو خطأ، لكن أغلب الحالات كانت أكبر من مستواي الطبي.
يا شيخ ساعدني كيف تبرأ ذمتي نهائيا بحيث لا أفكر في ذنب يغضب الله علي؟ أريد أن أكون من المتقين، أخاف أن يتسلط علي الشيطان ويقودني إلى اليأس ـ والعياذ بالله ـ نفسي توسوس لي كيف ستكون من المتقين ويوم القيامة سيأتي هؤلاء المرضى ويأخذون من حسناتك, والناس يرونك قدوة وأنت لا شيء, كيف ستتوب وتبرأ ذمتك؟ تأخذ إجازة في التلاوة وتحفظ من القرآن, يا لك من منافق! لا أستطيع أن أسامحك أبدا يا لك من نفس خبيثة، وهذا الأمر نغص علي لذة الطاعات في رمضان من صيام وقيام، ولولا ثقتي فيكم وقربكم من نفسي ما التجأت إليكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يزيدك حرصا على الخير وأن يتقبل توبتك، واعلم أن التوبة الصادقة تمحو الإثم ـ بإذن الله تعالى ـ فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا كنت بذلت وسعك في مداواة المرضى بحسب علمك واطلاعك فلا شيء عليك، وأما من تعلم أنك قصرت في تطبيبه، أو أضررت به بكتابتك له ما لا يحتاج إليه من تحاليل ونحوها، فعليك أن ترد إليه ما أخذته منه من المال، ولا يلزمك أن تخبره بما حصل، بل يسعك أن ترد إليه ما أخذته بأي طريق، وانظر الفتوى رقم: 139763

والواجب عليك رد جميع ما أخذته بغير وجه حق، سواء ما انتفعت به أنت أو ما دفعته إلى صاحبك، ثم إن شئت أن ترجع بهذا المال على صاحبك بعد أن تبين له حقيقة الحال فلك هذا، ومن عجزت عن الوصول إليه من أصحاب الحقوق فإنك تتصدق بما في ذمتك له على الفقراء والمساكين، وإن عجزت عن معرفة ما يلزمك فإنك تتحرى وتدفع ما يحصل لك به اليقين أو غلبة الظن ببراءة ذمتك، فإن هذا هو ما تقدر عليه، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني