الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس للأب حرمان ابنه من الميراث بسبب عقوقه

السؤال

أنا أب لخمسة أبناء: 4 ذكور وأنثى واحدة، منذ 12سنة عندما أراد ابني الأكبر الزواج اختار بنفسه فتاة سيئة الأخلاق بشهادة أغلب الناس العارفين بها، فعلى سبيل المثال كانت لا تصلي, ولم تكن محجبة, وكانت تقيم علاقات مع الشباب, وتتنقل مع واحد منهم في سيارته وتختلي معه، وكانت كذلك عاصية لوالديها؛ حتى إنها في يوم من الأيام وصل بها الأمر أن أشهرت سكينًا كبيرًا للجزارين أمام والدها, وقالت: إنها قادرة على قتله, ولن تذرف دمعة واحدة عليه, فلهذه الأسباب كلها ولأخرى كثيرة لم أرضَ أنا وزوجتي وأولادي الآخرين بهذا الزواج, ورفضنا أن تعيش واحدة مثل هذه الفتاة وسط أسرتنا وفي منزلنا العائلي؛ لما يمكن أن تنشر فيه من مشاكل, لكن ابني هذا هددنا بالانتحار إن لم يتزوج بهذه الفتاة, فلهذا قبلنا في آخر المطاف بخطبة هذه البنت حفاظًا على حياة ابني, لكن بشرط أن لا يعيش في البيت العائلي هو وزوجته، فقبل الشرط وتم الزواج باتخاذي على عاتقي أغلب المصاريف، ثم زفت العروس إلى بيت ابني الذي استأجره في المدينة, وبعد سنة أنجبت له طفلة، وعندها بدأت الحياة تضيق عليهم بسبب ضعف أجرة ولدي وعدم كفايتها لإعالة عائلته ودفع ثمن الكراء معًا، وفي نفس هذا الوقت حصلت أنا على شقة في عمارة اشتريتها من الدولة ضمن برنامج السكن الاجتماعي, فعرضت عليه أن يسكنها مجانًا مدة قصيرة من الزمن لمساعدته؛ حتى يتمكن من تحسين حالته المالية ثم يخرج منها, وسمحت له كذلك باللجوء إلى بيت تركه جدي لي في البادية ليقضي فيه أيام عطلته، لكنه بقي فيها قرابة 7 سنوات رغم تحسن كبير في قدراته المالية؛ حيث إن راتبه في المؤسسة العمومية التي يعمل فيها ارتفع ارتفاعًا كبيرًا، وفتح مؤسسة خاصة له لأعمال الكهرباء ناجحة نجاحًا كبيرًا, واشترى وباع سيارات كثيرة, وفي هذا العام اشترى كذلك محلاً تجاريًا وشاحنة بما يقارب 25000 دولار, علمًا أنني وزوجتي وأولادي الآخرين نسكن في مسكن وظيفي ملك للشركة التي كنت أعمل فيها, وعندما أحلت إلى التقاعد طلب مني إخلاء هذا المسكن؛ لهذا طلبت من ابني أن يخلي هو بدوره الشقة حتى أسكن فيها أنا وأسرتي, وتركت له مهلة 6 أشهر ليبحث براحته عن بيت يستأجره، لكن عند انتهاء المهلة اتصلت به واستفسرت عن ما اتفقنا عليه فتفاجأت عندما قال لي: إنه يرفض رفضًا قاطعًا إخلاء المنزل, وقام بتغيير أقفال الباب, وهددني أنا وأمه وأولادي وكل من يقترب من باب الشقة بالقتل، وقام برفع شكوى لدى وكيل الجمهورية والشرطة واتهمنا فيها بإزعاجه وتهديده في المنزل الذي هو فيه, وأقسم أنه لن يخلي البيت حتى نلجأ إلى العدالة, وبالفعل أحلت القضية إلى العدالة وأنا بانتظار الفصل فيها، مع أن هذا لن يتم إلا بعد 3 أشهر على الأقل, وفي ظرف هذه المدة سأكون مجبرًا على كراء بيت آخر لعائلتي؛ لأني سأخلي المسكن الوظيفي رغم امتلاكي للشقة التي يشغلها ابني, وبسبب هذا الذي فعله بي هذا الابن العاق وجزاءً لعقوقه قررت حرمانه من الميراث, وعقد كل ما أملكه لأولادي الأربعة لدى الموثِّق, وأنا على قيد الحياة لأني علمت أنه لا وصية لوارث, والعقد لا ينفسخ قانونيًا إن أنشأته وأنا حي؛ لهذا أنا أتوجه اليوم إليكم لأستفسر عن حكم الشريعة الإسلامية فيما أنا مقدم على فعله؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فلا شك أن ما فعله ابنك يعتبر عقوقًا وكبيرة من كبائر الذنوب - نسأل الله له الهداية - ولكن من المعلوم أن حرمان الابن من الميراث لا يجوز بغير مبرر شرعي, والمبرر الشرعي المانع من الميراث جاءت الشريعة ببيانه وهو القتل أو الكفر أو الرق, فمتى كان الولد قاتلاً لأبيه أو كافرًا أو رقيقًا فإنه لا يرث والده, وهذه يسميها الفقهاء بموانع الإرث, ولم يأت في الشريعة أن العقوق – مع كونه كبيرة من الكبائر ولا شك – مانع من موانع الإرث, وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن لنا أن نفتيك بجواز حرمان ابنك من الميراث لكونه عاقًا لأننا حينئذ نكون شرعنا ما لم يشرعه الله تعالى - نعوذ بالله من ذلك - وعليه فلا يجوز لك أن تفعل ما يؤدي إلى حرمان ذلك الولد من الميراث, لا سيما أنه من الممكن أن تسترد البيت الذي أخذه منك عن طريق القضاء, ونوصيك بأن تكل أمره إلى الله تعالى, ولا تدري لعل العاق يصير بارًا, والبار يصير عاقًا, والقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني