الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز للمرأة طاعة أهلها في تحريضهم إياها على زوجها

السؤال

زوجة لديها أهل لا يحافظون على الصلاة, وعندهم الكثير من المنكرات, وقد حاولت تغييرهم على مدى عشر سنوات, ولكن بلا جدوى, بل اجتهدوا في تنغيص عيشها مع زوجها, وإبعادها عن طاعة الله من باب بر الوالدين؛ حتى تردت حالة الزوجة إلى الكفر بالإسلام؛ بسبب ضغط زوجها وأهلها المستمرَّيْن, وهي تجد نفسها الآن ضعيفة الإيمان, أو منافقة بعد سب الله - عز وجل - في لحظة غضب شديد, عندما كان زوجها يضربها ويعاملها بلا رحمة بسبب أهلها.
أرجو أن ترد على سؤالي هل فقدت إيماني بعد أن كنت حافظة للقرآن؟ وما العمل مع أهلي وهم لا يتركوني وشأني, وزوجي لا يطلقني, علمًا أنه على دين وخلق, ولدي أولاد, وأصبح يعاملني بلا رحمة بسبب أهلي؟
جزاك الله خيرًا يا شيخنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الغضب لا يمنع التكليف ما دام صاحبه يعي ما يقول, فإن كنت أقدمت على سب رب العزة والجلال حال وعيك فهذه ردة عن الدين, وكفر بالله رب العالمين تجب عليك التوبة منها, والرجوع إلى حظيرة الإسلام، وراجعي الفتوى رقم: 8927, ومن تاب تاب الله عليه, وربما رجع المسلم بعد التوبة إلى حال هو أفضل مما كان عليه قبل التوبة، قال ابن القيم - رحمه الله: "فإذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه، بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته، حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أوقعه, وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار. قالوا: كيف ؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقًا وجلاً باكيًا نادمًا، مستحيًا من ربه تعالى، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة.....اهـ.

وإن كان أهلك لا يحافظون على الصلاة فهم على خطر عظيم، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 25458 والفتوى رقم: 1145, ومن يفرط في حق الله تعالى لا يستغرب منه أن يفرط في حق خلقه, وأن يكون سببًا في قطيعة رحمه, وعلى كل فقد أحسنت ببذلك النصح لأهلك وتوجيههم إلى الخير.

وأما أذيتهم لك وإثارتهم الفتنة بينك وبين زوجك فأمر غريب، إذ الغالب شفقة الأهل على ابنتهم, وحرصهم على ما فيه مصلحتها، ودفع الشر عنها لا على العكس, فالتمسي سبب هذه التصرفات الصادرة عنهم, وعالجي ما يمكن علاجه منها.

وأما زوجك: فإن كان واقع حاله معك ما ذكرت فهو مسيء للعشرة، فضرب الزوج زوجته لا يجوز إلا في حدود ضيقة كحال نشوزها, وبقيود معينة بأن لا يكون ضربًا مبرحًا مثلاً، وراجعي في ضرب الزوجة الفتوى رقم: 69, وبدلاً من سماعه تحريض أهلك له ينبغي أن يحرص على التفاهم معك، وحل المشاكل بشيء من الحكمة والروية.

وننصحك أنت خاصة بالصبر على زوجك, ومداراته, والاجتهاد في سبيل إزالة كل ما يمكن أن يسيء فهمه, أو يشوش عليه بسببه, مع بعدك عن كل ما يمكن أن يتخذه أهلك وسيلة للتأثير عليه ضدك, ولا تنسي أن تكثري من دعاء الله تعالى أن يصلح ما بينك وبينه، فالله على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، وهو سبحانه قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة كما قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وأما الطلاق: فقد لا تكون المصلحة فيه دائمًا، ولا سيما في حق من هي في مثل حالك, وكون أهلك على ما ذكرت من بعدهم عن الدين, وحرصهم على أذيتك، والأصل أنهم ملجأ المرأة - بعد الله تعالى - إذا طلقت, فإذا فارقت زوجك ولجأت إليهم تحقق في حقك ما قاله الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته * كالمستجير من الرمضاء بالنار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني