الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استيفاء الولد القرض الذي له على والده قبل قسمة تركته

السؤال

أنا صاحبة الاستشارة رقم: 2366096, وعذرًا فلم يتم فهم مسألتي جيدًا, والأَخَوان أخذا أكثر من نصيبهما؛ لأنه دَيْن, وهذا واضح, وسؤالي عن الأخ الثالث الذي لم يساعد والده في شيء من البناء, فقد كان صغيرًا حينها, لكنه طلب زيادة على نصيبه العوض الذي أخذه أخواه, وهو لم يقم بأي شيء يوجب ذلك, لكنه وبعد أن أحذ نصيبه رفض الخروج من المنزل إلى أن زدناه مبلغًا مساويًا للعوض الذي أخذه أخواه - خمسة ملايين سنتيم مغربي - فصار بذلك نصيب الذي أقرض والده للبناء كالذي لم يقرضه!
وقد أخذ تلك الزيادة وهو يظنها حلالًا له, وهو يقول: إنه لو كان كبيرًا في وقت البناء لأعطى أيضًا من ماله, لكنه كان صغيرًا حينها, ويريد العوض وقد أخذه, ونريد الآن من فضيلتكم تبيين حكم أخده لهذه الأموال.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فيجوز للابنين اللذين أدانا والدهما أن يأخذا دينهما من التركة قبل قسمتها بين الورثة, وليس للابن الثالث أن يعترض, وجمهور أهل العلم على جواز مطالبة الابن أباه بالدين الذي له عليه, كما بيناه ورجحناه في الفتوى رقم: 111501, وحتى الحنابلة الذين منعوا من ذلك قالوا بجواز أخذه من التركة بعد موت الأب, وهذا أحد القولين عندهم, وقدمه ابن قدامة في المغني فقال - رحمه الله تعالى -: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ, وَبِهِ قَالَ: الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ, وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَجَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَغَيْرِهِ ..... وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ رَجَعَ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ ... اهــ
وقال المرداوي في الإنصاف: وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ .. اهــ.

فللابنين المشار إليهما الحق في أخذ دينهما من التركة قبل قسمتها بين الورثة, ثم يأخذان نصيبهما من الميراث, وليس للابن الثالث أن يعترض على ذلك, ولا أن يطالب بمثل ما أخذه أخواه المقرضان؛ لأنهما لم يأخذا قدرًا زائدًا عن نصيبهما في الميراث, وما ظنه قدرًا زائدًا هو في الحقيقة ليس نصيبًا من الميراث, وإنما دين وحق لهما على التركة, والقدر الزائد الذي أخذه الابن الصغير لا يحل له؛ لأنه أخذه بغير وجه حق, وقوله لو كان كبيرًا لأقرض أباه فهذا ادعاء لا عبرة به, ولا تترتب الأحكام الشرعية على ظنون لم تقع.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني