الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصواب في خبر أبي ذر حول القيام والركوع والسجود في التنفل

السؤال

بالنسبة لمسألة: ما الأفضل في صلاة نوافل النهار كثرة السجود أم طول القيام؟ فالصحيح الذي أراه هو الجمع بينهما, بأن يطيل الإنسان القيام - كأن يقرأ ربع جزء في كل ركعتين - ويطيل ركوعه وسجوده واعتداله بمقدار خمسة عشرة تسبيحة مثلًا أو أكثر بقليل, وفي نفس الوقت يكثر الركعات ليكثر سجوده؛ وبذلك يجمع بين طول القيام وكثرة السجود, فيعمل بالحديثين معًا, ويحصل على فضلهما معًا؛ إذ لا تعارض بينهما؛ لأنه يمكن الجمع بينهما بهذه الطريقة, والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن مطرف لما رأى أبا ذر - رضي الله عنه – قال: فرأيته يطيل القيام, ويكثر الركوع والسجود, فذكرت ذلك له, فقال: ما ألوت أن أحسن, إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ركع ركعة أو سجد سجدة رفع الله له بها درجة, وحط عنه بها خطيئة" وفيه دليل على الجمع بين طول القنوت وكثرة السجود - هذا ما ظهر لي أنه الأفضل - فهل أنا مصيب فيما ذكرت؟ وهل كلامي صحيح؟ وهل تنصحوني بفعله؟
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فقد سبق لنا أن ذكرنا أقوال الفقهاء في مسألة المفاضلة بين طول القيام وبين كثرة الركوع والسجود, كما في الفتوى رقم: 190517, والفتوى رقم 177163.

وفي خصوص ما ذكرته من الجمع بين طول القيام وبين كثرة السجود والركوع فهذا إنما يتأتى لمن حدد عددَ ما يريد صلاته من الركعات، وليس من شك في أنه حينئذ هو الأحسن, لكنه قد يتعذر على من لا يتهيأ له من الوقت ما يكفي لذلك، فيكون الشخص حينئذ بين أن يطيل القيام فيقل الركوع والسجود، وبين أن يكثر الركوع والسجود فيقصر لذلك قيامه.

وفي خصوص قصة أبي ذر التي أشار إليها السائل فقد رواها الإمام أحمد في المسند وابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى والطحاوي في معاني الآثار, واللفظ الموجود في طبعات مسند الإمام أحمد التي وقفنا عليها {يطيل القيام ويكثر ...}, ونظن أن فيه سقطًا, وأن أصل الجملة: {لا يطيل القيام ويكثر ..}, والدليل على ذلك من وجوه:
أولها: أن رواية الطحاوي في معاني الآثار لنفس القصة جاءت بلفظ: " فرأيته لا يطيل القيام, ويكثر الركوع والسجود" اهــ . وكذا رواية البيهقي وابن أبي شيبة لنفس القصة عن أبي ذر جاء فيها التصريح بأن أبا ذر كان يخفف القيام فقد جاء في روايتهما للقصة:
"... فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي يُخَفِّفُ الْقِيَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) وَ(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ), وَيُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ, رَأَيْتُكَ تُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَتُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ, قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً, أَوْ يَرْكَعُ لِلَّهِ رَكْعَةً إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً, وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً».
وفي لفظ آخر لابن أبي شيبة "فأتيته فإذا هو يصلي, فإذا هو يُقِل القيام, ويكثر الركوع والسجود"
ثانيها: أن جملة من شراح الحديث - كابن بطال وبدر الدين العيني في شرحهما على البخاري- ذكروا قصة أبي ذر هذه بلفظ "لا يطيل القيام".

والثالث: أن القصة تورد غالبًا في المفاضلة بين طول القيام وكثرة الركوع والسجود.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني