الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذبيحة الهندوسي ميتة لا تحل

السؤال

ما حكم من استأجر شخصًا لذبح أضحيته, وبعد الفراغ منها تبين له أنه يدين بالهندوسية؟ علمًا أنه قام بالتسمية, ولكنه لم يذكها بنفسه, بل الكافر هو الذي ذكاها بنفسه, وما الفرق بين من يسمي والآلة تنحر؟جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تجزئ هذه الذبيحة في تحقيق سنة الأضحية؛ لأنها ميتة لا تحل، قال في الهداية: ويكره أن يذبحها الكتابي؛ لأنه عمل هو قربة وهو ليس من أهلها, ولو أمره فذبح جاز؛ لأنه من أهل الذكاة، والقربة أقيمت بإنابته ونيته، بخلاف ما إذا أمر المجوسي؛ لأنه ليس من أهل الذكاة فكان إفسادًا. اهـ. وراجع للفائدة الفتويين التاليتين: 39786 / 26282 .

لكنه قد اختلف أهل العلم فيمن اشترى أضحية فهلكت بيده, هل يلزمه بدلها؟ فذهب الشافعي إلى عدم لزوم ذلك مطلقًا، جاء في الأم: وإذا اشترى الرجل الضحية فأوجبها, أو لم يوجبها فماتت أو ضلت أو سرقت فلا بدل عليه, وليست بأكثر من هدي تطوع يوجبه صاحبه فيموت, فلا يكون عليه بدل, إنما تكون الأبدال في الواجب. اهـ. وراجع تفصيلًا أكثر في الفتوى رقم: 71706.

وأما ما سألت عنه من أمر التسمية, فقد بسطنا مذاهب أهل العلم في التسمية عند الذبح في الفتوى رقم: 35595 .

هذا وإذا كان قصد السائل أن الذابح الهندوسي بمنزلة الآلة تجزئ مع التسمية إذا حصلت من المسلم الآمر بالذبح، فهذا لا اعتبار له, فالكافر هو الذي تولى الذبح, ولا يصح جعله بمنزلة الآلة، وذبيحته ميتة بكل اعتبار.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فصْلٌ: [الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ ذَبِيحَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ مِثْلَ الْمَيْتَةِ] وَأَمَّا جَمْعُهَا بَيْنَ الْمَيْتَةِ وَذَبِيحَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ فِي التَّحْرِيمِ، وَبَيْنَ مَيْتَةِ الصَّيْدِ وَذَبِيحَةِ الْمُحْرِمِ لَهُ، فَأَيُّ تَفَاوُتٍ فِي ذَلِكَ؟ وَكَأَنَّ السَّائِلَ رَأَى أَنَّ الدَّمَ لَمَّا احْتَقَنَ فِي الْمَيِّتَةِ كَانَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِهَا، وَمَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ الْكَافِرُ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ لَمْ يَحْتَقِنْ دَمُهُ؛ فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ وَجَهْلٌ؛ فَإِنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ لَوْ انْحَصَرَتْ فِي احْتِقَانِ الدَّمِ لَكَانَ لِلسُّؤَالِ وَجْهٌ، فَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَتْ عِلَلُ التَّحْرِيمِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ انْتِفَاءِ بَعْضِهَا انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إذَا خَلَفَهُ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَهَذَا أَمْرٌ مُطَّرِدٌ فِي الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ, فَمَا الَّذِي يُنْكِرُ مِنْهُ فِي الشَّرْعِ؟ فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ سَوَّتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا مَيْتَةً، وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ الْمَوْتِ، فَتَضَمَّنَتْ جَمْعَهَا بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ وَتَفْرِيقَهَا بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ؛ فَإِنَّ الذَّبْحَ وَاحِدٌ صُورَةً وَحِسًّا وَحَقِيقَةً؛ فَجُعِلَتْ بَعْضُ صُوَرِهِ مَخْرَجًا لِلْحَيَوَانِ عَنْ كَوْنِهِ مَيْتَةً وَبَعْضُ صُوَرِهِ مُوجِبًا لِكَوْنِهِ مَيْتَةً مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ, قِيلَ: الشَّرِيعَةُ لَمْ تُسَوِّ بَيْنَهُمَا فِي اسْمِ الْمَيْتَةِ لُغَةً، وَإِنَّمَا سَوَّتْ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ؛ فَصَارَ اسْمُ الْمَيْتَةِ فِي الشَّرْعِ أَعَمَّ مِنْهُ فِي اللُّغَةِ، وَالشَّارِعُ يَتَصَرَّفُ فِي الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ بِالنَّقْلِ تَارَةً, وَبِالتَّعْمِيمِ تَارَةً, وَبِالتَّخْصِيصِ تَارَةً، وَهَكَذَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعُرْفِ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا, وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ، وَالْخُبْثُ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ قَدْ يَظْهَرُ لَنَا, وَقَدْ يَخْفَى، فَمَا كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يُنَصِّبْ عَلَيْهِ الشَّارِعُ عَلَامَةً غَيْرَ وَصْفِهِ، وَمَا كَانَ خَفِيًّا نَصَّبَ عَلَيْهِ عَلَامَةً تَدُلُّ عَلَى خُبْثِهِ؛ فَاحْتِقَانُ الدَّمِ فِي الْمَيْتَةِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ وَمَنْ أَهَلَّ بِذَبِيحَتِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَنَفْسُ ذَبِيحَةِ هَؤُلَاءِ أَكْسَبَتْ الْمَذْبُوحَ خُبْثًا أَوْجَبَ تَحْرِيمَهُ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني