الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تزوج النبي يحيى عليه السلام؟

السؤال

هل كان يحيى - عليه السلام - متزوجًا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يرد في نصوص الوحي التصريح بأن يحيى عليه السلام قد تزوج أو لم يتزوج، وقد اختلف أهل العلم في ذلك, قال البغوي في التفسير عند قول الله تعالى: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ {آل عمران:39}، أنه - عليه السلام - لم تكن له حاجة إلى النساء لكنه تزوج مع ذلك؛ لأنه أغض للبصر، فقال: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِبَصَرِهِ.

وقد فسروا الحصور بالذي لا يأتي النساء, ولا يقربهن, من الحصر وهو: الحبس والمنع؛ فيكون بمعنى المحصور والممنوع من النساء، وقيل الحصور: فعول بمعنى فاعل؛ يعني أنه هو الذي يحصر نفسه عن الشهوات والملاهي, ويمتنع من الوطء مع القدرة عليه، واختار قوم هذا القول لوجهين:

أحدهما: أن الكلام خرج مخرج الثناء، وهذا أقرب إلى استحقاق الثناء.

والثاني: أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء. أهـ. من تفسير البغوي بتصرف.

وفي تفسير الرازي: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ: مَدَحَ يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَوْنِهِ حَصُورًا، وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يُقَالُ هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُنَّ؛ لِأَنَّ مَدْحَ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكُونُ عَيْبًا غَيْرُ جَائِزٍ.

وفي أضواء البيان للشنقيطي: وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَحَصُورًا أَنَّهُ الَّذِي حَصَرَ نَفْسَهُ عَنِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ تَبَتُّلًا مِنْهُ، وَانْقِطَاعًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ، وَأَمَّا سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ التَّزْوِيجُ وَعَدَمُ التَّبَتُّلِ، أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْحَصُورَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَأَنَّهُ مَحْصُورٌ عَنِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ; لِأَنَّ الْعُنَّةَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الرِّجَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى يُثْنَى عَلَيْهِ بِهَا، فَالصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.

وعلى هذا القول: فإن يحيى - عليه السلام - لم يتزوج - مع القدرة عليه - تبتلًا وانقطاعًا لعبادة الله تعالى, وكان ذلك جائزًا في شريعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني