الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية اتخاذ السترة ولو لم يخش مرور أحد

السؤال

صليت مرة سنة صلاة الفجر بلا سترة – أي: في مكان في المسجد لا أحد أمامي, ولا يوجد من يسير أمامي, أو يشوش عليّ - فعاب عليّ أحد الإخوة أني لو عملت سترة لكان أحسن, وقال لي: إنه سمع فتوى تقول: فلو مرَّ شيطان من أمامي فصلاتي باطلة, فتعجبت من الأمر, فهل توجد فتوى أو دليل يقول: لو مرَّ شيطان من أمامي فصلاتي باطلة؟ وخاصة أننا لا نرى الشيطان بالعين, فكيف يبطل الصلاة؟
جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاتخاذ السترة مشروع مندوب إليه, ولو لم يخش مرور أحد على الراجح، والحديث الذي أشار إليه صاحبك قد رواه أبو داود وغيره ولفظه عن سهل بن أبي حثمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته.

وليس المراد به بطلان الصلاة بمرور الشيطان بين يدي المصلي, بل هو دليل على أن للسترة أثرًا في تحصيل الخشوع, ومنع استيلاء الشيطان على قلب العبد، قال في المرعاة: وقال ابن حجر: استفيد من الحديث أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي, وتمكنه من قلبه بالوسوسة، إما كلًا أو بعضًا بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى، وأن عدمها يمكن الشيطان من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع، وتدبره بالقراءة والذكر. انتهى.

قال القاري: قُلْتُ: فَانْظُرْ إِلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ, وحمل بعض العلماء قوله: لا يقطع الشيطان عليه صلاته: على المار بين يديه من إنسان أو غيره.

قال الشوكاني: وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالدُّنُوِّ أَنْ لَا يَقْطَعَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: "وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، وَالْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ: الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كَمَا فِي حَدِيثِ «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: مَعْنَاهُ: يَدْنُو مِنْ السُّتْرَةِ حَتَّى لَا يُوَسْوِس الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ. انتهى.

ولو حمل على ظاهره فليس هذا القطع موجبًا لإبطال الصلاة وإعادتها - كما قدمنا -، قال الحافظ ابن رجب: أمر صلى الله عليه وسلم بالدنو من السترة خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته، وليس ذلك موجبًا لإبطال الصلاة وإعادتها - والله أعلم - وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة، كعمر, وابن مسعود. انتهى.

وبكل حال فاتخاذ السترة والدنو منها أمر مشروع مندوب إليه, وهو أدعى لحصول الخشوع, فلا يقطع الشيطان على العبد صلاته بالوسوسة, وأمنع لمرور المار بين يديه فلا يقطع صلاته بأن ينقص أجرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني