الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة الأولاد مما رغب فيه الشرع

السؤال

أنا سيدة كثيرة الحمل والولادة مع أخذي بمبدأ تنظيم الحمل، ومعظمهم يأتي بعد أخذ موانع الحمل، لكن قدر الله - وما شاء فعل – أن يكثر أطفالي, وقد أصبح الكل يهاجمني ويستهزئ بي لكثرة الأطفال, وكيف ستتم النفقة عليهم؟ وكيف ستتم تربيتهم؟ فصرت أبحث عن صحابيات الرسول عليه الصلاة والسلام, فوجدت أن أغلبهن لا ينجبن كثيرًا, فأكثر شيء ثلاثة لتفرغهن للدين, فحزنت، فأنا لا أستطيع التفرغ لديني لكثرة أطفالي، ولا أحفظ القرآن لانشغالي بهم، مع العلم أني أعلمهم أصول دينهم، وأحفظهم القرآن في دور القرآن، وأعلمهم أسس الجهاد في سبيل الله لينالوا الشهادة في سبيله, وأدعو الله دومًا أن يجعل أطفالي من أهل القرآن, ومن أهل الصلاة، وإن لم يكن كذلك فليأخذ الله أمانته وهو طفل، على الأقل حتى أستفيد منه عند موته طفلًا, فما رأيكم بتعدد الأطفال؟ ومن كان من الصحابة الكرام له أطفال عدة؟ وهل حقًّا حثَّ الإسلام على تعدد الأطفال؟ وهل لي أجر مثلًا إن حفظت أحدهم القرآن أو نال أحدهم الشهادة في سبيله؟ وأريد - بارك الله فيكم - أي شيء أو كتبًا تتحدث عن تعدد الأبناء ما بين السلبية والإيجابية بحدود الشرع.
جزيتم خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كثرة الحمل من أمارات خيرية المرأة وفضلها, وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجاب, وفي زواج الولود من النساء, فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

ولأحمد والطبراني في الأوسط وسنن سعيد بن منصور عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. وصححه الحاكم وابن حبان, ورواه البيهقي في سننه بلفظ آخر صححه الألباني: خير نسائكم الودود, الولود, المواتية, المواسية, إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات, المتخيلات، وهن المنافقات, لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، فأما حديث: فإني مكاثر بكم؛ فصح من حديث أنس بلفظ: "تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم يوم القيامة" أخرجه ابن حبان، وذكره الشافعي بلاغًا عن ابن عمر بلفظ: "تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم". وللبيهقي من حديث أبي أمامة: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى". وورد: "فإني مكاثر بكم" أيضًا من حديث الصنابحي, وابن الأعسر, ومعقل بن يسار بن حنيف, وحرملة بن النعمان, وعائشة, وعياض بن غنم, ومعاوية بن حيدة, وغيرهم، وأما حديث: "لا رهبانية في الإسلام" فلم أره بهذا اللفظ. انتهى.

وقد تكلم السيوطي في كتابه الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع على فضل الإنجاب فقال: وبعضهم يقول: الذي يريد الولد أحمقٌ، فلا نال الدنيا ولا الآخرة، إن أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه، وإذا أراد أن يتعبد شغله أيضًا - غلط عظيم؛ لأنه لما كان مراد الله تعالى من إيجاد الخلق اتصال دوامها إلى أن ينقضي أجلها، حث الله تعالى الآدمي على ذلك تارة من حيث الطبع بإيقاد نار الشهوة، وتارة من باب الشرع بقوله: وأنكحوا الأيامى منكم. وقول الرسول: تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، ولو بالسقط.

وقد طلب الأنبياء الأولاد، وتسبب الصالحون إلى وجودهم، ورب جماع حدث منه ولد صالح, كالشافعي, وأحمد, كان خيرًا من عبادة ألف سنة، وقد جاء الخبر بإثابة الجماع؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله فيها جر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.

وكذلك الأجر والثواب في النفقة على الزوجة والأولاد، وقد يموت له ولد فيبقى له ذخرًا وأجرًا كما قال: إذا مات ولد العبد يقول الله تعالى للملائكة: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول الله تعالى: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع - أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون - فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد.

وإما أن يخلفه بعده فيلحقه بركة دعائه, كما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له, فمن أعرض عن طلب الأولاد خالف السنة, وعُدم هذا الفضل والثواب الجزيل. انتهى.

وأما عن الصحابة فقد كان لبعضهم كثير من الأولاد, فهذا عمر - رضي الله عنه - كان له ابنتان: حفصة أم المؤمنين وزينب.

وكان له من الذكور : عبد الله الأكبر، وعاصم, وعبيد الله, وعبد الرحمن الأصغر, وعبد الرحمن الأكبر, وعبد الرحمن الأوسط, وعياض, وزيد الأكبر, وزيد الأصغر, كما قال البدوي في عمود النسب:

أبناؤه عوابد الرحمن وعاصم, زيد, وزيد ثان

عبد الإله, وعبيد الله عياض تاسع بني الأواه.

وقد كان لعلي - رضي الله عنه - كثير من الأولاد, فكان له من سيدتنا فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم: الحسن, والحسين, ومحسن, وزينب, وأم كلثوم, ورقية.

وكان له ـ رضي الله عنه ـ عدد من الأولاد والبنات من غير فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فجميع أولاده ـ رضي الله عنه ـ لصلبه أربعة عشر ذكرًا, وسبع عشرة أنثى، وانظري تفاصيل أسمائهم وأسماء أمهاتهم في الفتوى رقم: 97299.

واعلمي أن الانشغال بتربية الأبناء وتعليمهم القرآن أجره عظيم, فقد قال ابن أبي زيد في الرسالة: وأولى ما عنى به الناصحون, ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ، وتنبيههم على معالم الديانة وحدود الشريعة. انتهى.

بل روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجًا من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم بهما الدنيا! فيقولان: بم كسينا؟! فيقال: بأخذ ولدكما القرآن. رواه أحمد والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ـ وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني