الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهات حول بعض آيات الزواج

السؤال

سؤالي قد يكون حساسا، لكني أريد ‏أن أعرف الجواب (واعذروني قد ‏أقوم بتحليل بعض الآيات الكريمة ‏كما فهمتها، وإن كان تحليلي خاطئا ‏فقوموا بتصحيحي)‏
سؤالي هو عن النكاح بين الرجل و‏المرأة إن لم يكونا متزوجين، لكن ‏يعرفان بعضهما لفترة طويلة، والأم ‏والأب من الطرفين موافقان على ‏ذلك (مثال: خطيبان (عقد ما قبل ‏الزواج) أو صديقان لفترة طويلة)‏
‏****** التالي من هذه الجملة هو ‏تحليلي الشخصي للآيات وليس ‏تحليل وتفسير علماء دين متخصصين ‏بالشريعة******‏
أنا بصراحة راودتني هذه الأفكار ‏عند قراءتي لسورة النساء ابتداء من ‏الآية رقم 3 (" وإن خفتم ألا تقسطوا ‏في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من ‏النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ‏ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ‏ذلك أدنى ألا تعولوا")‏
قد قرأت على الويب أن ما ملكت ‏أيمانكم هن الجواري، أو أسرى ‏الحرب في ذك الزمان. لكن ماذا عن ‏زماننا هذا فلم يبق لهن وجود؟ ‏
وآية رقم "25": ("ومن لم يستطع ‏منكم طولا أن ينكح المحصنات ‏المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من ‏فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم ‏بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن ‏أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف ‏محصنات غير مسافحات ولا ‏متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين ‏بفاحشة فعليهن نصف ما على ‏المحصنات من العذاب ذلك لمن ‏خشي العنت منكم وأن تصبروا خير ‏لكم والله غفور رحيم")‏
ما فهمته من الآية هو أن الذين لا ‏يستطيعون الزواج لأسباب عدة مثلا ‏التكاليف, لهم أن ينكحوا ما ملكت أيمانهم ‏من الفتيات المؤمنات, لكن عند ذكر ‏كلمة (فتياتكم المؤمنات) أليس معناه ‏من الفتيات اللائي لسن بجوار؟ ‏بالإضافة إلى أنه قد جاء بعد ذلك ‏‏("والله أعلم بإيمانكم بعضكم من ‏بعض فانكحوهن بإذن أهلهن"). إذا ‏أهلن موجودون معهم مما يعني أنهن ‏لسن بجوار أو من غنائم الحرب. ‏صحيح؟
‏27("وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ‏وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ ‏تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا")‏
‏28‏
‏(" يريد الله أن يخفف عنكم وخلق ‏الإنسان ضعيفا")‏
ما فهمته من الآيتين السابقتين هو أن ‏المسلم إذا كان لا يستطيع الزواج ‏لأسباب منطقية فالله قد سمح له ‏بالنكاح (مادام يوافق شرع الله) لأن ‏في طبيعة الإنسان الميول لهذا النوع ‏من الغرائز، وللتخفيف عن المسلم.‏
أنا أأسف مرة أخرى على أسلوبي، و قد يكون تحليلي خاطئا بشكل كامل و ‏لكني أريد أن أشرح ما فهمته عسى ‏أن يقوم أحد بتصحيح أو تأكيد من ‏قلته.‏
جزاكم الله كل خير، وأنتظر الرد.‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يجعل الشرع لقضاء هذه الغريزة طريقا إلا الزواج الشرعي، أو ملك اليمين كما قال الله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. ولا وجود اليوم لملك اليمين، فلم يبق إذًا إلا الزواج الشرعي.

ومن لم يقدر عليه بسبب الفقر أو بغيره، فعليه بالتعفف كما قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:33}.

ومما يعين على العفة العمل بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، من الصوم؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
وأما قوله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:25}. فالمراد بالفتيات هنا هو المملوكات، وقد ورد الشرع في التعبير عن المملوك بالفتى والفتاة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء لله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي. رواه البخاري ومسلم.

والمراد بأهلهن هنا الأسياد المالكون لهن، فيجوز للحر أن يتزوج الأمة بإذن سيدها بشرطين:
الأول: عدم الطول، وهو ألا يستطيع نكاح حرة مسلمة.
الثاني: خوف العنت وهو خوف الوقوع في الحرام.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافاً فيه، والأصل فيه قول الله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]. والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل، لقول الله تعالى:وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25].

وإن قدر على نكاح كتابية محصنة عفيفة لم يحل له نكاح الأمة في مذهب أحمد، وظاهر مذهب الشافعي.
وإنما شدد الشرع في ذلك لما يترتب عليه من استرقاق الولد؛ فإن الولد يتبع أمه في الحرية أو الرق.
وأما قول الله تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا {النساء:27} يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا {النساء:28}. فلا يراد بالتخفيف إباحة الزنا، واتخاذ الصديقات والخدينات، وإنما يراد التخفيف في نكاح الجواري حال الفقر، أو التخفيف في التكاليف عموما، فلم يكلف الله الناس إلا بما يطيقون. وأما استباحة الزنا بزعم التخفيف فهو من الميل العظيم الذي يريد أتباع الشهوات من الكفار والزناة جر الناس إليه.

قال القرطبي في تفسيره: والمعنى: يريد توبتكم أي يقبلها فيتجاوز عن ذنوبكم، ويريد التخفيف عنكم. قيل: هذا في جميع أحكام الشرع وهو الصحيح. وقيل: المراد بالتخفيف نكاح الأمة أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء. قاله مجاهد، وابن زيد، وطاووس، قال طاووس: ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء. واختلف في تعيين المتبعين للشهوات فقال مجاهد: هم الزناة، وقال السدي: هم اليهود والنصارى، وقال ابن زيد: ذلك على العموم، قال القرطبي: وهذا هو الأصح. والميل العدول عن طريق الاستواء، فمن مال عن طريق الاستواء أحب أن يكون أمثاله كذلك حتى لا تلحقه معرة. اهـ.

وقال ابن كثير رحمه الله: قوله: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27]، أي يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيماً. انتهى.
وقال البغوي في تفسيره عن الذين يتبعون الشهوات: وقيل: هم جميع أهل الباطل. انتهى
وقال الواحدي في تفسيره: ويريد الذين يتبعون الشهوات وهم الزناة وأهل الباطل في دينهم، أن تميلوا عن الحق وقصد السبيل بالمعصية ميلاً عظيماً فتكونوا مثلهم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني