الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى عبارة: ليس بالطاعة سعدوا, ولكن بالسعادة أطاعوا، وليس بالمعصية شقوا...

السؤال

(, ولكن بالشقاوة عصوا)، هل هذا من كلام أحمد بن أبي الحواري أم أبي سليمان الداراني؟ فقد قرأت في تاريخ دمشق لابن عساكر هذه المقولة منسوبة إلى أبي سليمان الداراني, وسمعتها أيضًا من عالم من علماء الحديث البارزين في هذا العصر - نحسبه كذلك, ولا نزكي على الله أحدًا - ولكنه نسبها إلى أحمد بن أبي الحواري, فأردت التأكد من صحة النسبة, وهل معناها أن الإنسان إنما يعمل بمقتضى علم الله فيه من أنه سعيد أو شقي, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ميسر لما خلق له"؟ فمن كان من أهل السعادة يسر لفعل الطاعة, ومن كان من أهل الشقاء يسر لفعل المعصية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الكلام رواه أحمد بن أبي الحواري عن شيخه أبي سليمان الداراني، كما أخرجه الحافظ السلفي في الطيوريات, وابن عساكر من طريق أبي بكر الخطيب عنه.
ولذلك لا يستغرب أن ينسب لأيٍّ منهما، فالعادة أن مثل هذه الكلمات المأثورة يسندها المرء مرة، ويقولها من قِبل نفسه أخرى، فتحمل عنه على الوجهين.
وأما معناها؟ فيفهم على مقتضى الإيمان بمراتب القضاء والقدر، فالله عز وجل هو خالق العباد وأعمالهم، وقد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، وأهل الجنة قد سبقت لهم من الله الحسنى وهم في بطون أمهاتهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. رواه مسلم.
ويدل لذلك قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء: 101] قال ابن جزي في تفسيره: (سبقت) أي: قضيت في الأزل، و(الحسنى): السعادة. اهـ.
وقال السعدي في تفسيره: أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ، وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة. اهـ.
وقال الطبري في تفسيره: أما (الحسنى) فإنها الفعلى من الحسن، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم, كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} قال: الحسنى: السعادة, وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله، وسبق الشقاء لأهله من الله. اهـ.
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب أصول الإيمان: باب الإيمان بالقدر، وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}, وقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُورًا}, وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}, وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء". وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة, قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة, ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} متفق عليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني