الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسرار دقيقة في صفات الله المقترنة وأسمائه المزدوجة في القرآن

السؤال

الأسماء المذكورة من أسماء الله الحسنى التي تضمنت بعض صفاته العلى، وقد ورد اسم العزيز بالتعريف مقروناً بالحكيم في سبعة وعشرين موضعاً من كتاب الله عز وجل، أولها في سورة آل عمران، وآخرها في سورة التغابن، نرجو التوفيق إذا حالفنا التوفيق، والله أعلم، مع العلم أن الموقع مصدر ثقتنا ومرجعيتنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا حقيقة لم نتبين ماذا يقصد الأخ السائل من سؤاله، ولعله يشير إلى ما سبق إيراده في الفتوى: 50823 والتي كان الاستفسار فيها عن اقتران اسم الله العزيز باسمه الحكيم واسمه الجبار.

وبسطًا للمسألة نقول: إن للأسماء المقترنة من الدلالة على الكمال ما ليس لكل اسم على حدته، قال ابن القيم في بدائع الفوائد: ما يجري صفة أو خبرًا على الرب تبارك وتعالى أقسام:

ـ أحدها ما يرجع إلى نفس الذات، كقولك: ذات وموجود وشيء.

ـ الثاني: ما يرجع إلى صفات معنوية، كالعليم والقدير والسميع.

ـ الثالث: ما يرجع إلى أفعاله، نحو: الخالق والرزاق.

ـ الرابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض، ولا بد من تضمنه ثبوتا، إذ لا كمال في العدم المحض، كالقدوس والسلام.

ـ الخامس: ولم يذكره أكثر الناس، وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة، بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد، نحو: المجيد العظيم الصمد...
ـ السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما، نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغنى صفة كمال والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وكذلك: العفو القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه من أشرف المعارف. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في كتابه القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى تحت القاعدة الأولى أن أسماء الله تعالى كلها حسنى، قال: الحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال، مثال ذلك: العزيز الحكيم ـ فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرا، فيكون كل منهما دالا على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحكم والحكمة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر، وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلما وجورا وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور ويسيء التصرف، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل، بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل. اهـ.

وأكثر الأسماء الحسنى اقترانا باسم الله العزيز في القرآن: هو اسمه الحكيم، فقد تكرر اقترانه به في القرآن في سبعة وأربعين موضعا، خلال ست وعشرين سورة، ولله في ذلك الحكمة البالغة، قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين ـ العزيز الحكيم ـ في آيات التشريع والتكوين والجزاء، ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة، وعزة قاهرة، ففهم الموفقون عن الله عز وجل مراده وحكمته، وانتهوا إلى ما وقفوا عليه ووصلت إليه أفهامهم وعلومهم، وردوا علم ما غاب عنهم إلى أحكم الحاكمين ومن هو بكل شيء عليم، وتحققوا بما علموه من حكمته التي بهرت عقولهم، إن لله في كل ما خلق وأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه، وأنه تعالى هو الغني الحميد العليم الحكيم، فمصدر خلقه وأمره وثوابه وعقابه: غناه وحمده وعلمه وحكمته، ليس مصدره مشيئة مجردة وقدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته ووقوع أفعاله كلها على أحسن الوجوه وأتمها على الصواب والسداد ومطابقة الحكم والعباد. اهـ.

ويلي اسم الحكيم في الاقتران باسم العزيز: اسم الرحيم، قد اقترن به في ثلاثة عشر موضعا، خلال خمس سور، جاء في سورة الشعراء وحدها في تسع مواضع: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ { الشعراء: 9}.

قال ابن القيم في شفاء العليل: فإن ما حكم به لرسله وأتباعهم ولأعدائهم صادر عن عزة ورحمة، فوضع الرحمة في محلها وانتقم من أعدائه بعزته، ونجى رسله وأتباعهم برحمته، والحكمة الحاصلة من ذلك أمر مطلوب مقصود، وهي غاية الفعل لا أنها أمر اتفاقي. اهـ.

وباقي المواضع جاءت في سور: {الروم: 5} وسورة {السجدة: 6} وسورة {يس: 5} وسورة {الدخان: 42].

ويلي اسم الرحيم: اسم القوي، فقد اقترن به في سبعة مواضع خلال ست سور، هي: سورة {هود: 66} وسورة {الحج: 40} وسورة {الأحزاب: 25} وسورة {الشورى: 19} وسورة {الحديد: 25} وسورة {المجادلة: 21}.

ويلي اسم القوي: اسم العليم، فقد اقترن به في ستة مواضع، في سورة {الأنعام: 96} وسورة {النمل: 78} وسورة {يس: 38} وسورة {غافر: 2} وسورة {فصلت: 12} وسورة { الزخرف: 9}.

ويلي صفة العلم: صفة المغفرة، فقد اقترنت بصفة العزة في خمسة مواضع، مرتان باسم الله الغفور، في سورتي {الملك: 2} و{فاطر: 28} وثلاث مرات باسمه الغفار، في سورة {ص: 66} وسورة { الزمر: 5} وسورة {غافر: 42}.

ويلي ذلك اقتران صفة العزة بصفة الانتقام، وذلك في أربعة مواضع، في سورة {آل عمران: 4} وسورة {المائدة: 95} وسورة {إبراهيم: 47} وسورة {الزمر: 37}.

ويليه اسم الله: الحميد، فقد اقترن باسمه العزيز في ثلاثة مواضع، في سورة {إبراهيم: 1} وسورة {سبأ: 6} وسورة {البروج: 8}.
ثم بعد ذلك اسما الله: الوهاب والمقتدر، مرة واحدة لكل منهما، في قوله تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ {ص: 9}، وقوله سبحانه: كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ {القمر: 42}.

وأخيرًا: فقد اقترن اسم الله العزيز بعدة أسماء في آية واحدة، سبقه اسم المهيمن، ولحقه اسم الجبار، وذلك في قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ {الحشر: 23}.

ولا ريب أن كل موضع من هذه المواضع قد أتى فيه من الأسماء الحسنى ما يناسب السياق وموضوع السورة، وهذا بحث مستقل، ولا يتناسب المضي فيه مع مقام الفتوى، فنكتفي بما ذكره الدكتور ناصر بن علي عايض في رسالته مباحث العقيدة في سورة الزمر حيث قال: جاء اسمه تعالى: العزيز ـ مقترناً بأسماء أخرى من أسمائه تبارك وتعالى ولاقترانه ذلك أسرار دقيقة، ومعاني بديعة، فقد اقترن باسمه تعالى: الحكيم ـ في عدة مواضع... فاقترانه بهذا الاسم يفيد أنه الغالب الذي لا يعجزه شيء سبحانه، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله جميعاً يضع الأشياء في محالها التي تناسبها مناسبة تامة، كما اقترن باسمه تعالى: ذو انتقام ـ عدة مرات، مثل قوله تعالى: وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ـ واقترانه به يفيد أنه الغالب الذي يقدر على أن ينتقم ممن يستحق الانتقام منه بمنتهى العدل منه سبحانه، واقترن باسم القوي في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى، مثل قوله سبحانه: وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ـ واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه سبحانه ذو القوة التي لا تغلب، فبقوته سبحانه وعزته يوقع بمن يشاء من عقوبته ولا معقب لما يريده جل وعلا، وجاء مقترناً باسمه تعالى: الحميد ـ في عدة مواضع مثل قوله تعالى: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ـ واقترانه به يفيد أنه تبارك وتعالى العزيز الغالب الذي لا يضام من لاذ بجنابه المنيع، المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، وأمره ونهيه، الصادق في خبره، وهو المحمود على كل حال، واقترن باسمه تعالى الرحيم أكثر من عشر مرات، واقترانه به يفيد أنه مع عزته وغلبته وقوته سبحانه رحيم بخلقه، ومعنى ذلك أنه لا يعجل العقوبة على من عصاه، بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، وقد جاء أيضاً مقروناً باسمه تعالى: العليم واقترانه به يفيد أنه العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكل شيء فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وكثيرا ما إذا ذكر الله الليل والنهار، والشمس، والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم، قال تعالى: وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ـ فهو سبحانه العزيز الذي من عزته انقادت له كل هذه المخلوقات العظيمة فجرت مذللة بأمره حيث لا تتعدى ما حده الله لها، ولا تتقدم عنه، ولا تتأخر، العليم الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والأوائل والأواخر، كما أنه العزيز الذي قهر الخلائق فأذعنوا له، والعليم بجميع الأشياء، والعليم بأقوال المختلفين وعن ماذا صدرت، وعن غاياتها وسيجازي كلاً بما علمه فيه، وقد جاء اسمه تعالى العزيز مقترناً باسمه تعالى الغفور، قال تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ـ وباسمه تعالى الغفار، قال تعالى حكاية عن كليمه موسى عليه السلام ـ الصواب عن مؤمن آل فرعون: وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار ـ واقترانه بهما يفيد أنه مع عزته وغلبته لكل خلقه فإنه سبحانه يغفر جميع الذنوب صغيرها وكبيرها لمن تاب إليه وأقلع عن ذنوبه، وورد مقروناً باسمه تعالى: المقتدر ـ مرة واحدة في كتاب الله تعالى، وذلك في قوله عز شأنه: كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِر ـ واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه العزيز الغالب الذي إذا أخذ المكذبين أخذهم أخذ غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، وورد مقترناً باسمه تعالى: الوهاب ـ مرة واحدة في القرآن، ومعناه: أنه سبحانه العزيز الغالب القاهر الذي لا يرام جنابه يعطي بغير حساب، ويعطي ما يريد لمن يريد عطاءً منه وتفضلاً من خزائن رحمته التي لا تنفد، قال تعالى: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ـ كما اقترن مرة واحدة باسمه تعالى الجبار، قال تعالى: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ ـ واقترانه بهذا الاسم يفيد أنه سبحانه وتعالى العزيز القاهر الغالب الذي لا يوجد له نظير هو العظيم صاحب العظمة والجبروت، ويجوز أن يكون من جبر: إذا أغنى الفقير وجبر الكسير، وقيل: الجبار الذي لا تطاق سطوته. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني