الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى الانتصار من الظالم هو الرد عليه بقدر مظلمته وليس التغلب عليه في الخصومة

السؤال

ادعت جارتي على شائعة تقول إني مجنونة - اضطراب الوسواس القهري والاكتئاب الشديد - وأخبرت الجيران, ونالت من شرفي, وهم يضحكون عليّ, ويقولون لي: مجنونة, ويسخرون مني لهذه الإشاعة عني, وهذا يمكن أن يقف في طريق الشفاء والتعافي, والعجيب أن هذه الشائعة التي أطلقتها عني انتشرت بسرعة؛ مما دفعني لسؤال نفسي: هل هذا غضب من الله أم هو ابتلاء؟ ولماذا أشعر بالخوف من الجيران؟ ولماذا سمح الله لها بالقيام بذلك على فتاة مسلمة؟ وقد قلَّ تقديري لذاتي, والأصل أن الإثم على من بدأت بالتشهير، ما لم يحصل مني اعتداء في مقابلة فعلها, وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. أخرجه مسلم.
قال الإمام النووي: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة, قال الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى:41}، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ {الشورى:39}، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل, وقرأت في فتوى أن التي بدأت بنشر الإشاعة لن تنتصر, لكن الأخرى - التي نشرت الإشاعة عليها كذبًا – سوف تنتصر, لكنها انتصرت علي, وهي ليست مسلمة, وعندما ذهبت إلى المدير انتصرت عليّ, وهي البادئة بالتشهير بي, وما زالت تشهر بي وتضايقني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهوني عليك - أيتها الأخت الكريمة - واعلمي أن ما أصابك من بلاء هو امتحان من الله تعالى لك لتكفر به سيئاتك, وترفع به درجاتك، وليس ما حصل غضبًا من الله عليك - إن شاء الله -، واعلمي - عافاك الله - أن علاج الوساوس هو الإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها، فعليك أن تتخذي تلك الشائعات وما قيل في حقك قوة دافعة للتماثل من هذا الداء - بإذن الله -.

فأنت بإرادتك وعزيمتك القوية قادرة - بإذن الله - على تجاوز تلك المرحلة, وتخطي هذا المرض، فلا تقفي عند تلك الأمور البسيطة التافهة, واستمري في العلاج, مجتهدة في دعاء الله تعالى أن يذهب عنك هذا الداء.

وأما تلك التي أساءت إليك: فحسابها على الله تعالى.

وننصحك بأن تصفحي عنها, وتتجاوزي عن فعلها, فإن من عفا عفا الله عنه, وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا.

ومعنى الانتصار المأذون فيه لك هو أن تعتدي عليها بقدر مظلمتها، وليس معناه أنك تهزمينها في الخصومة، ثم هذا الانتصار - وإن كان جائزًا - فالأولى العفو والصفح, كما قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}, فتغاضي عن تلك الأمور, ولا تكثري من التفكير فيها؛ لئلا تؤخر شفاءك - بإذن الله - واجعلي أمثل رد على تلك الشائعات أن تثبتي لمطلقيها عكس ما قالوا, فيظهر لجميع الناس بعد تماثلك من هذا الداء - بإذن الله - أنك سوية - والحمد لله - وأنك لا تعانين من شيء، نسأل الله لك الشفاء والعافية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني