الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم.

السؤال

يقول القرطبي: وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، ويقول أيضا: إنكم إذا مثلهم ـ فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إنكم إذا مثلهم ـ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية، يرجى شرح ما سبق شرحا مبسطا، وقال القرطبي: لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ـ لكن ماذا إذا لم يجتنبهم ولكنه أنكر بقلبه ساكتا؟ فهل يكفر بذلك ويخرج من الملة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول القرطبي رحمه الله: وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة ـ معناه أن المماثلة في قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم ـ لا يفهم منها أن المسلم الذي يجالس الكافر مثلا، وهو يخوض في الاستهزاء بآيات الله أن له حكمه في جميع صفاته بحيث يكون المسلم كافرا إلا إن رضي المسلم بالكفر، فيكون كافرا بالرضا بالكفر لا بالجلوس، وقد بين معنى هذه المماثلة ابن عاشور في التحرير والتنوير حيث قال رحمه الله: هذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقاً بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنّكم تصيرون مثلهم في التلبّس بالمعاصي. انتهى.
وقد سبق أن بينا للسائل جواب أسئلته والمعنى المقصود من هذه الآية، في فتويين سابقتين: 192653، 192715.

فلا وجه لإعادة السؤال نفسه بعدة صيغ، حيث كرر السؤال عن هذين الموضوعين وهما: التكفير، وعدم اجتناب المنكر مع إنكاره بالقلب ـ أكثر من عشر مرات، فننبه السائل إلى أن عليه أن يسلك طريق العلم وتأصيله حتى يتمكن في قلبه، وأن لا يشتغل بإيراد الشبهات خصوصا ما يتعلق منها بالتكفير، فإنه باب عظيم لا يؤخذ إلا عن الأئمة الراسخين، ونختم بوصية نافعة في رد الشبهات لابن القيم، حيث قال رحمه الله: والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له، فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا، والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات، أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك. انتهى.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 1048، 130930.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني