الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث (ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر..)

السؤال

قرأت حديثًا عن صلاة التوبة أو الاستغفار وهو: "ما من عبدٍ يُذنب ذنبًا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله" وسؤالي: ما معنى فيحسن الطهور؟ وهل إذا سها أو سرح لا يغفر الله له؟ وإلى أي مدى يجب أن يستغفر؟ لأنه قد يشعر بالتعب والكسل فيقصر في الاستغفار.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث علي عن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، فيحسن الطهور، ثم يستغفر الله عزَّ وجلّ إلا غفر له»، ثم تلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} [آل عمران (135) ]. قال الترمذي: حديث حسن, وليس فيه لفظ: لا يحدث فيهما نفسه.

ومعنى إحسان الطهور هو: أن يتوضأ وضوءًا مستوفيًا لشروطه وأركانه غير مخل بشيء من فروضه.

والاستغفار المأمور به يحصل امتثاله بمرة، شريطة أن يكون مصحوبًا بالتوبة المستجمعة لشروطها، ومن ثم قال القاري في شرح هذا الحديث: والمراد بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ بِالْمُدَاوَمَةِ, وَالْإِقْلَاعِ, وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَأَنْ يَتَدَارَكَ الْحُقُوقَ إِنْ كَانَتْ هناك. انتهى.

وقد وقع الوعد بالمغفرة على صلاة ركعتين لا يحدث فيهما نفسه, كما أخرجا في الصحيحين عن حمران مولى عثمان أن عثمان - رضي الله عنه - دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه.

وقد حمل العلماء هذا على عدم الاسترسال مع الخواطر وحديث النفس.

وأما ما يهجم على المكلف من غير اختياره فيدفعه عن نفسه: فليس مرادًا، قال الصنعاني - رحمه الله -: أي: لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَا يُعَدُّ مُحَدِّثًا لِنَفْسِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني