الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتوى منوعة في بعض أحكام الطلاق

السؤال

أنا متزوجه من 28سنة وخلالها كان زوجي يقول اعملي كذا وإذا لم تفعلي أنت طالق ولكن أعمل ما يطلبه وبعدها بفترة طويلة قال لي ونحن في شجار حاد أنت طالق قالها لمرة واحدة وقال لم يكن قصده الطلاق بل كان قصده التهديد ثم تكرر نفس الشيء في مرة أخرى وقال نفس الشيء بأنه يهدد وبعد سنوات تشاجرنا وقال لي أنت طالق وتحرمين علي ولكن بعد 15 يوما راجع نفسه وشهد صديق له بأنه راجع يمينه ومرت السنوات والآن تشاجرنا وقال لي أنت طالق ولا أعلم بنيته هل أكون محرمه عليه أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فنقول أولاً لهذا الزوج وأمثاله: إن الطلاق لم يشرع ليكون سلاحاً بيد الزوج يهدد به زوجته، ويجعلها تعيش في رعب دائم من مصيرها المرتقب مع زوج أساء استخدام هذا الحق، والواجب على الزوج تجاه زوجته هو فعل ما أمره الله به في قوله تعالى:فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].
والطلاق إنما يحقق المصلحة إذا استحالت طرق الإصلاح، وتمكن الشقاق في الحياة الزوجية، ولم تظهر في الأفق بوادر إصلاح أو مودة أو خير أو تآلف بين الزوجين.. عند ذلك يحقق الطلاق المصلحة التي شرع من أجلها، وتظهر حكمة تشريعه، وأما التهديد به قبل الوصول إلى هذه المرحلة فلا يفيد شيئاً بل يزيد الأمر سوءاً وتعقيداً.
ونقول له ثانياً: إن من قال لزوجته إن لم تفعلي كذا فأنت طالق ففعلت لم تطلق، وإن قال لها أنت طالق وهو يدرك ما يقول فقد طلقت منه زوجته وإن قال لم أقصد الطلاق. وهذا محل اتفاق بين أهل العلم. قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك، ولأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحاً فيه كالبيع، وسواء قصد المزح أو الجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء، روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد وهو قول سفيان وأهل العراق. انتهى
وبهذا تبين أنه إذا قصد لفظ الطلاق الصريح ومنه لفظ طالق باتفاق العلماء وقع الطلاق، وإن لم يقصد وقوعه باتفاق العلماء كما سبق، وأما إذا تلفظ به بدون قصد للفظه بل سبق لسانه إليه أو كان في غضب لا يدري ما يقول معه ونحو ذلك فلا يقع به الطلاق لأنه لم يقصد اللفظ،، ولذلك فإن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق مطلقاً، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم:
12287.
وعلى كل حال، فإذا كان هذا الزوج استمر في معاشرة زوجته بعد ما صدر منه من طلاق في المرة الأولى والثانية -كما هو الظاهر من حاله- فإنه يعد مرتجعاً لها بتلك المعاشرة.
فإذا طلقها الثالثة بانت منه بينونه كبرى لا تحل له إلا بعد أن ينكحها زوج ويدخل بها، وإنما قلنا بأن استمرار المعاشرة الزوجية يعد ارتجاعاً لقوة أدلة القائلين بأن الوطء وحده بدون النية يكفي في الارتجاع، كما ذكرنا في الفتوى رقم:
7000.
أما إذا كان الزوج لم يرتجع زوجته لا بنية ولا بوطء ولا بغيره حتى انتهت عدتها من الطلاق ثم عاد إلى معاشرتها فإنه يعد زانياً، وما صدر منه من طلاق بعد ذلك فهو لاغ لأنه لم يصادف محلا، لبينونة الزوجة بمجرد انتهاء عدتها من طلاقه الرجعي وهو الأول أو الثاني.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني