الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة التفريق بين الشك الطارئ في الطهارة أثناء الصلاة والطارئ خارجها.

السؤال

أنا طالب موريتاني في جمهورية السينغال الشقيقة.
أقول لكم أولا وقبل كل شيء: شكرا، شكرا، فشكرا على خدمتكم للإسلام وللمسلمين في كافة أنحاء العالم.
أما فيما يخص سؤالي فهو كالتالي: لماذا إذا شك المصلي في صلاته لا تبطل، وإذا شك المتوضئ في وضوئه يبطل، كما هو مقرر في الكتب الفقهية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان مراد السائل: لماذا إذا شك الإنسان في طهارته أثناء الصلاة لا تبطل صلاته، وإذا شك خارج الصلاة وجب عليه تجديد الوضوء؟

فالجواب عن ذلك: أن هذا التفريق ليس إلا رواية عن المالكية دون غيرهم من المذاهب، وهذا بيان ذلك:

* - الذي عليه جمهور أهل العلم غير المالكية أنه لا اعتداد بالشك الطارئ ولا اعتبار له، لا فرق في ذلك بين الطارئ أثناء الصلاة والطارئ خارجها.

قال الإمام النووي: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها. فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي: أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث، حكم ببقائه على الطهارة، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة، وحصوله خارج الصلاة. هذا مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، وحكي عن مالك -رحمه الله تعالى- روايتان: إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة، والثانية يلزمه بكل حال.

وقال في فتح الباري: ولا يضر الشك الطارئ عليها، وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء، وروي عن مالك النقض مطلقا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها.

* - خالف المالكية مذهب الجمهور فرأوا أن الشك في الطهارة ناقض؛ وذلك لأن الذمة عامرة بوجوب الصلاة بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين، ورأوا أن الشك في الحدث ليس من قبيل الشك في المانع، وهذا منهم احتياط في المقصد.

قال خليل: وبشك في حدث بعد طهر علم. اهـ.

وقد رجح مذهبهم العراقي.

قال في فتح الباري: وقال العراقي: ما ذهب إليه مالك راجح؛ لأنه احتاط للصلاة، وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل. وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مغاير لمدلول الحديث؛ لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق.

ثم فرق المالكية في رواية عنهم بين الشك أثناء الصلاة، والشك خارجها.

قال خليل: وإن شك في صلاته ثم بان الطهر لم يعد. اهـ.

قال الدردير: أي عند مالك، وابن القاسم، خلافا لأشهب، وسحنون القائلين ببطلانها بمجرد الشك، والقطع من غير تماد.

وفي منح الجليل: وقال أشهب، وسحنون: تبطل صلاته بمجرد شكه، فيقطعها، وإن أتمها فلا تكفيه؛ لانتقاض وضوئه بمجرده، كمن شك قبل إحرامها.

أما علة هذا التفريق عند القائلين به - والتي هي مناط سؤالك - فهي أن للصلاة شأنا وحرمة، تنسحب على المصلي؛ فلذلك لا يستباح له قطعها إلا بيقين.

قال الدسوقي: قال ابن رشد في البيان: والفرق أن من شك وهو في الصلاة، طرأ عليه الشك فيها بعد دخوله، فوجب أن لا ينصرف عنها إلا بيقين، ومن شك خارجها، طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة، فوجب أن لا يدخلها إلا بطهارة متيقنة.

قال في البيان والتحصيل: قال محمد بن رشد: إنما قال: إن صلاته تامة- وإن تمادى على شكه، إلا أن يكون نواها نافلة؛ لأنه لما دخل في الصلاة بطهارة متيقنة، لم يؤثر عنده فيها الشك الطارئ عليه بعد دخوله في الصلاة، والأصل في ذلك، ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الشيطان يفسو بين أليتي أحدكم، فإذا كان يصلي فلا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» . وليس هذا بخلاف لقوله في المدونة: من أيقن بالوضوء وشك في الحدث انتقض وضوؤه؛ لأن الشك طرأ عليه في هذه المسألة بعد دخوله في الصلاة، فوجب ألا ينصرف عليها إلا بيقين- كما جاء في الحديث، ومسألة المدونة طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة، فوجب ألا يدخل فيها إلا بطهارة متيقنة- وهو فرق بَيِّن. وقد روى سحنون عن أشهب في أول سماعه خلاف هذا في هذه المسألة أن صلاته باطلة، وهذا أظهر لما بيناه. انتهى .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني