الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أمته الصلاة عليه

السؤال

رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما طلب منا الصلاة عليه، ولكن يوجد الكثير من الناس يقولون إنه أمركم لأنه محتاج لذلك، وبسبب الشهرة. فكيف نرد عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منا الإكثار من الصلاة عليه، وسؤال الله الوسيلة له، إنما هو من جنس طلبه وترغيبه لنا في عمل سائر الصالحات، فمقصوده صلى الله عليه وسلم ابتداءً هو: نفعنا نحن والإحسان إلينا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة): فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يطلبه من أمته من الدعاء، طلبه طلب أمر وترغيب، ليس بطلب سؤال. فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به في القرآن بقوله: {صلوا عليه وسلموا تسليما} .. ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة، والفضيلة، والمقام المحمود ... فقد رغب المسلمين في أن يسألوا الله له الوسيلة، وبين أن من سألها له، حلت له شفاعته يوم القيامة؛ كما أنه من صلى عليه مرة، صلى الله عليه عشرا؛ فإن الجزاء من جنس العمل. ومن هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه، وابن ماجه: {أن عمر بن الخطاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن له، ثم قال: لا تنسنا يا أخي من دعائك}. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له، كطلبه أن يصلي عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه. وهو صلى الله عليه وسلم أيضا ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضا بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له. ومن هذا الباب {قول القائل: إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قال: النصف؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: الثلثين. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك}. رواه أحمد في مسنده والترمذي وغيرهما. اهـ.
وقال النفراوي في (الفواكه الدواني): إن قيل مما يجب اعتقاده أن الله تعالى أفاض على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كل كمال لبشر، أو ملك، حتى لم يبق كمال منها إلا وقد أفيض عليه، فأي شيء يطلب حصوله له؟ فالجواب من أوجه:

ـ منها أن أمره سبحانه وتعالى إيانا بالصلاة عليه محض تعبد.

ـ ومنها: أن ذلك على طريقة الشكر له منا للمكافأة له - عليه الصلاة والسلام - لما في الوسع.

ـ ومنها: أن ذلك لطلب كمال في سعة كرمه تعالى علق حصوله على الصلاة ...

والأظهر أن فائدة الصلاة عائدة علينا بسببه - صلى الله عليه وسلم - حال حياته، وبعد وفاته؛ لما ورد من أنه إذا صلى عليه أحدنا صلاة صلى الله عليه بها عشرا. اهـ.
وقال السخاوي في (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع): أما المقصود بالصلاة عليه، فقال الحليمي: المقصود بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بإمتثال أمره، وقضاء حق النبي صلى الله عليه وسلم. وتبعه ابن عبد السلام فقال: ليست صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا وأفضاله علينا؛ إذ لا إحسان أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم. وقال أبو محمد المرجاني: صلاتك عليه في الحقيقة لما كان نفعها عائداً عليك صرت في الحقيقة داعياً لنفسك. وقال ابن العربي: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه؛ لدلالة ذلك على نصوح العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة، والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة. انتهى. وقال غيره: من أعظم شعب الإيمان الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - محبة له، لحقه، وتوقيراً له وتعظيماً، والمواظبة عليها من باب شكره - صلى الله عليه وسلم - وشكره واجب لما عظم منه من الإنعام؛ فإنه سبب نجاتنا من الجحيم، ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا الفوز بأيسر الأسباب، ونيلنا السعادة من كل الأبواب، ووصولنا إلى المراتب السنية والمناقب العلية بلا حجاب، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. اهـ.

وقد ذكر ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام) تسعا وثلاثين فائدة كلها يعود نفعها على المصلي عليه صلى الله عليه وسلم.

وراجع للفائدة الفتويين: 137779، 64574.
وأما شبهة طلب الشهرة بذلك، فيكفي في ردها أن الله تعالى قد أغناه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فرفع له ذكره صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني