الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشترط للداعية إلى الله السلامة من المعاصي

السؤال

هل من الممكن أن يكون المرء الذي يعمل على نشر الإسلام بعيدا عن الله ـ يكذب مثلا؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يليق بالعامل لنشر الإسلام أن يكون كذابا، بل إن عليه أن يكون أشد الناس تمسكا بالشرع وأبعدهم عن المعاصي، والكذب محرم تحريماً شديداً وهو ينافي الصدق الذي هو أساس الإيمان، ولذلك لا يطبع عليه مؤمن حقاً، ففي الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ً فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: لا.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.

ولكنه ليس من شروط من يعمل للإسلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أن يكون منزها عن المعاصي ـ كذبا أو غيره ـ كما قال صاحب منظومة الآداب:

ولو كان فسق وجهل وفي سوى * الذي قيل فرق بالكفاية فاحدد.

قال العلامة السفاريني في غذاء الألباب شارحاً له: ( ولو كان) ذلك الشخص الامر والناهي ( ذا) أي صاحب ( فسق) بأن فعل كبيرة ولم يتب منها أو أصر على صغيرة، إذ ليس من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعله عدلاً في المعتمد، بل الإمام والحاكم والعالم والجاهل والعدل والفاسق في ذلك سواء كما في الآداب الكبرى..... نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَالِفَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، بَلْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَأْتَمِرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَنْزَجِرُ عَنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَك؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْت آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ. انتهى.

ولو كان لا يأمر ولا ينهى إلا من ليس به وصمة لتُرك الأمر والنهي، قال القرطبي في تفسيره: وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء!. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني