الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نية التعجيل بسداد الدين قبل تراكم الفوائد الربوية لا يبيح الدخول في المعاملة الربوية

السؤال

شاب بلغ الثالثة والثلاثين من عمره، ولما يتزوج بعد، ولعل السبب الرئيس في ذلك ما يعانيه غالب الشباب من ضيق ذات اليد.
يعمل هذا الشاب في بلد بعيد عن عائلته إذ لا يجد عملا في بلده، وبالتالي فإنه إن تزوج في بيت عائلته لن يرى زوجته إلا يومين أو ثلاثة على الأكثر كل أسبوعين، ثم إن هذا الشاب اجتهد في تحري المسكن، فما وجد إلا ما كان بنظام الأقساط الربوية، وهذا حال كل - ولا أقول غالب -المساكن البسيطة التي توفرها الحكومة.
فهل يجوز له أن يشتري الشقة بنظام الأقساط الربوية؟ علما بأنه سيسارع في أداء القسط الربوي وإنهاء المعاملة المحرمة قدر استطاعته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز الإقدام على معاملة ربوية، ما لم تلجئ إليها ضرورة معتبرة شرعا، وما ذكرته لا يعتبر ضرورة، وحاجة الشاب للمسكن المستقل يمكن دفعها بالإيجار، أو البحث عن بدائل شرعية للحصول على السكن كاستصناع، أومرابحة، أوتورق مشروع، ولن يعدم المتحري للحلال ما يغنيه عن ارتكاب الحرام واللجوء إليه، لكن الشيطان يزين للمرء الحرام، ويسد أمام ناظريه كل السبل المشروعة للحصول عل غايته.

وأما نية تعجيل السداد، والمسارعة في قضاء الدين قبل تراكم الفوائد الربوية، فلا يبيح الدخول في العقد الربوي المحرم. فالربا كبيرة من كبائر الذنوب، توعد الله مرتكبه بالحرب، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ. {البقرة:279}.

وروى مسلم عن جابر- رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء.

فهذا الربا لا تبيحه إلا الضرورة. والضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة، بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.

وقال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج ،ومحافل الأفراح، والعزاء، ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار، ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات، لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني