الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تكفر العقوبات الدنيوية جرم التزوير

السؤال

لا أستطيع أن أوصل إليكم شكري وتقديري بسبب ما تقدمونه من خير للمسلمين، وسؤالي هذا غريب بعض الشيء فأرجو منكم أن تعذروني، أرجو توضيح هذا الموضوع جيداً والاهتمام به: أنتم تعرفون أن بعض الناس يقومون بالغش أو التزوير أو الكذب في خبراتهم من أجل العمل، فربما يقومون بتزوير شهادات الخبرة، وربما شخص قام بذلك من أجل إثبات نفسه وعدم توفر ما يريد العمل فيه إلا أنه يلجأ إلى تلك الطريقة للحصول على مهنته التي يريدها، وطالما الموظف يقوم بعمله ومجهوده كما هو مطلوب منه فمرتبه حلال، لأن عمله مقابل جهده وتعبه وربما لا يقصد أن يغضب الله، وقد قرأت سؤالا على دار الاستشارات القانونية والشرعية ومعه عرض الحالة، لكنني ربما لم أفهم السؤال جيداً، أولا عرض الحالة: نسمع عن وجود بعض الأطباء الجدد يقومون بعمل ما يسمى شهادة طبيب حر غير سليمة ويقومون على إثرها بتغيير المهنة في البطاقة إلى طبيب حر بغرض التمكن من التسجيل بإحدى الجامعات دون انتظار دورهم في النيابات بالمستشفى، مع العلم أنهم يكونون مقيدين في إحدى الوظائف الحكومية كطبيب ثالث حديث التخرج، والسؤال: هل تغيير المهنة في البطاقة من طبيب امتياز أو طبيب تكليف مثلا إلى طبيب حر يعتبر تزويرا، بالرغم من أن المهنة واحدة وهي أنه طبيب؟ وما عقوبة ذلك طبقا لقانون العقوبات المصري؟ الجواب: تغيير بيانات البطاقة الشخصية عن طريق تزوير البيانات وإعطاء شهادة إلى السجل المدني غير صحيحة عن الحالة الوظيفية يعد تزويرا في أوراق رسمية، والعقوبة تكون السجن من سنة إلى 10 سنوات نظرا لأنه تزوير واستعمال محرر مزور مع علمه بتزويرة.... لكن الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنها إذا كانت أوراقا رسمية يتوقف عليها تزوير في أوراق رسمية تابعة للدولة يستحق السجن وليس لمؤسسات أو شركات خاصة أو مجموعة أفراد كما الجواب واضح، حيث قال شهادة إلى السجل المدني غير صحيحة، وتزوير أوراق رسمية تابعة للدولة أيضاً مثل البطاقة وجواز السفر وشهادة الميلاد وعداد الكهرباء أو عداد السيارات أو شاسيهات السيارات أو لوحة السيارات أي ما يخص مصالح الفرد المتعلقة بمصالح الدولة؟ لأنه إذا كان مصلحة خاصة أو تابعة لمجموعة أفراد، فمن الممكن أن يقدم عمله على أكمل وجه لصاحب العمل ولن يؤذي أحدا وربما يكون صاحب العمل راض عنه، أرجو إعطاء رأيكم وما استنتجتموه من ذلك، وهل إذا كان من فعل ذلك يستحق السجن؟ وهل سيحاسب أمام الله في الآخرة، لأنه لم يسجن ويأخذ ما يستحق من عقاب في الدنيا؟ هذا من كان يستحق السجن! أم ما أنا فيه هو نتيجة بعض الوساوس الناتجه من التفكير؟ أرجوكم أفيدوني. وأشكركم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتغيير بطاقة المهنة وكتابة معلومات فيها غير صحيحة نوع من أنواع الغش والتزوير المحرم، وقد قال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج:30}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم.

وقال أيضا: ألا أنبئكم بأكبر الكبائرثلاثاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ـ وكان متكئاً فجلس ـ فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت. متفق عليه.
قال الراغب: الزور: الكذب، وقال الحافظ: ضابط الزور: وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل، ومنه: لابس ثوبي زور، ومنه: تسمية الشعر الموصول: زوراً.

وذكر العلماء ـ كما في الموسوعة الفقهية ـ تحت كلمة التزوير: أن التزوير يشمل، التزوير والغش في الوثائق والسجلات ومحاكاة خطوط الآخرين وتوقيعاتهم بقصد الخداع والكذب.

وهكذا ما ذكرته من التغيير في بطاقة الطبيب أو استصدار شهادة خبرة مزورة تحايلا على شروط استحقاق دراسة أو عمل أو ترقية أو غيرها، فكل ذلك من الغش والتزوير والخداع، وفاعله معرض لسخط الله وعقوبته مع ما قد يناله من الجزاء الدنيوي من سجن أو غيره.

وتلك العقوبات الدنيوية ما كان منها حدا شرعيا أو تعزيرا من قبل ولي الأمر على الجرم، فهل تكون كفارة لذلك الجرم أم لا بد معها من التوبة؟ في ذلك خلاف، ولعل الراجح كونها كفارة، ولذلك قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وَقَوْلُهُ: فَعُوقِبَ بِهِ ـ يَعُمُّ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ، وَهِيَ الْحُدُودُ الْمُقَدَّرَةُ أَوْ غَيْرُ الْمُقَدَّرَةِ كَالتَّعْزِيرَاتِ، وَيَشْمَلُ الْعُقُوبَاتِ الْقَدَرِيَّةَ، كَالْمَصَائِبِ وَالْأَسْقَامِ وَالْآلَامِ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمُ نَصَبٌ وَلَا وَصَبٌ وَلَا هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا خَطَايَاهُ ـ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْحَدَّ كَفَّارَةٌ لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ، وَرَجَّحَ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِمُجَرَّدِهِ كَفَّارَةٌ وَوَهَّنَ الْقَوْلَ بِخِلَافِ ذَلِكَ جِدًّا...

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني