الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم منع الزوج أهل زوجته من زيارة ابنتهم

السؤال

أنا رجل متزوج من امرأة ممتازة , وأعيش حياة كريمة مستقرة والحمدلله , مشكلتي الوحيدة مع زوجتي هي أهلها( إخوتها وأخواتها بالتحديد) , فلأسباب عدة فأنا لا أحبهم ولا أريد أن أراهم في بيتي وهذا ما يخلق مشاكل متكررة مع زوجتي. وقد تكررت هذه المشكلة عبر سنوات لدرجة أني أخيراً طلبت منها أن تمنعهم من المجيئ إلى البيت في حضوري وغيابي وأن لا تسمح إلا لأبيها وأمها بالمجيئ إلى البيت. وقد حلفت على ذلك يمين الطلاق إن هي خالفت ذلك.سؤالي هو: هل يحق لي شرعا ما قمت به, أقصد منع إخوتها من المجيئ إلى البيت؟ وهل يحق لها مخالفة ذلك ؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن العلاقة بين الزوجين تقوم أساساً على المودة والرحمة، كما قال تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة [الروم:21].
وقوله تعالى:وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف [النساء:19].
وإن من حسن عشرة الزوج لزوجته أن يعينها على طاعة الله، وييسر لها سبل الوصول إليها والقيام بها، كالصلاة، والحج وصلة الأرحام وبر الوالدين وغير ذلك.
وليعلم الأخ السائل أن الحياة الزوجية لا تستمر على نسق سليم إلا بشيء من المسامحة والتنازل من كلا الطرفين، لأنها قامت على عقد من أغلظ العقود، قال تعالى فيه:وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21].
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتسامح في البيع والشراء، ودعا لفاعله بالرحمة، فقال: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. رواه البخاري.
وهو عقد أدنى بكثير من عقد النكاح، فكان تسامح الزوج مع زوجته مندوباً إليه من باب أولى.
وعندما ذكر الله تعالى في كتابه الصلح بين الزوجين ببعث الحكمين عند التنازع أخبر بأن كل واحدٍ منهما قد يكون شحيحاً على الآخر، بخيلاً بمسامحته، فأمرهما الله تعالى بالإحسان، فقال:وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:128].
هذا على وجه العموم، وبناءً على ما سبق، ومراعاة لقواعد الشريعة العامة التي تدعو إلى صلة الأرحام، والحفاظ على العلاقات الأسرية، ودوام الصلة والمودة، فإن الراجح من أقوال أهل العلم -والله أعلم- أنه لا يجوز للزوج منع والدي الزوجة من زيارتها في بيته، إلا إذا ترتب على ذلك ضرر محقق يتأذى منه الزوج. قال المرداوي في الإنصاف -حنبلي-: الصواب في ذلك: إن عرف بقرائن الحال: أنه يحدث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر، فله المنع ، وإلا فلا. انتهى
وقال صاحب التاج والإكليل في شرح مختصر خليل: سئل مالك عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله، فيريد أن يمنعها من الدخول عليها؟ فقال: ينظر في ذلك، فإن كانت متهمة منعت بعض المنع، لا كل ذلك، وإن كانت غير متهمة لم تمنع الدخول على ابنتها. انتهى
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: ويتفقد الأبوان حال ابنتهما، وقد ندب الشرع إلى المواصلة، والعادة جارية بذلك. انتهى
والمقصود بالعادة هنا: العرف العام، والعرف العام عند الفقهاء، كالشرط وإن لم ينص عليه في العقد، قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: المعروف عرفاً كالمشروط شرعاً. انتهى
وقال الحموي في غمز عيون البصائر: المعروف عرفاً كالمشروط شرطا. انتهى
والحكم في الإخوة والأخوات كالحكم في الأبوين، قال في حاشية الصاوي : وليس له منع أبويها وولدها من غيره أن يدخلوا لها.. وكذا الأجداد وولد الولد والإخوة من النسب، بخلاف الأبوين، وما بعدهما من الرضاع، فله المنع منه. انتهى
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني