الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى السواد الأعظم والأمر بلزوم الجماعة الأولى

السؤال

هل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع السواد الأعظم؟ وما معنى السواد الأعظم؟ وهل هم الأشاعرة ـ كما يزعمون ـ الذين يقولون: نحن السواد الأعظم على مر القرون؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم. قد رواه ابن ماجه وغيره، وفيه معان بن رفاعة، وهو لين الحديث، وأبو خلف الأعمى، وهو متروك، ومن ثم حكم الأئمة بضعف الحديث. وراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني حديث رقم: 2896.

على أنه قد وردت أحاديث كثيرة آمرة بلزوم جماعة المسلمين والنهي عن الفرقة والاختلاف، وانظر الفتوى رقم: 47787، وفيها بيان معنى السواد الأعظم.

وأما الزعم بأن الأشاعرة هم السواد الأعظم: فزعم غير صحيح، وذلك أن عوام الأمة كلهم ممن لم يشتغلوا بعلم الكلام ولم يعنوا بمذاهب المتكلمين لا من الأشاعرة ولا غيرهم، وهم بحمد الله على عقيدة السلف، كما أن الكثرة ليست دليل الحق، بل الحق ما وافق الدليل وتابع ما جاء به المعصوم صلوات الله عليه ولو كان أهل ذلك قلة في الناس، وهذا كلام نفيس جدا للعلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ يبين فيه معنى الأمر بلزوم الجماعة، وأن المراد به الجماعة الأولى قبل أن يبدل الناس ويغيروا، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن سار على هذه الجادة فهم الجماعة وهم السواد الأعظم، ولا عبرة بكثرة تكون على خلاف هذا السبيل، يقول الإمام المحقق رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَالْحُجَّةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ هُوَ الْعَالِمُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ: صَحِبْت مُعَاذًا بِالْيَمَنِ، فَمَا فَارَقْته حَتَّى وَارَيْته فِي التُّرَابِ بِالشَّامِ، ثُمَّ صَحِبْت مِنْ بَعْدِهِ أَفْقَهَ النَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَمِعْته يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ سَمِعْته يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَقُولُ: سَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ وُلَاةٌ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، فَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَصَلُّوا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَةٌ، قَالَ: قُلْت: يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرِي مَا تُحَدِّثُونَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت: تَأْمُرُنِي بِالْجَمَاعَةِ وَتَحُضُّنِي عَلَيْهَا ثُمَّ تَقُولُ لِي: صَلِّ الصَّلَاةَ وَحْدَك وَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَصَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ نَافِلَةٌ، قَالَ: يَا عَمْرُو بْنَ مَيْمُونٍ قَدْ كُنْت أَظُنُّك مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، أَتَدْرِي مَا الْجَمَاعَةُ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: إنَّ جُمْهُورَ الْجَمَاعَةِ هُمْ الَّذِينَ فَارَقُوا الْجَمَاعَةَ، الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَإِنْ كُنْت وَحْدَك، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِي وَقَالَ: وَيْحَك، إنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ فَارَقُوا الْجَمَاعَةَ، وَإِنَّ الْجَمَاعَةَ مَا وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى. انتهى.

ثم ليعلم أن الأشاعرة هم أقرب فرق المتكلمين إلى مذهب أهل السنة وأصحاب الحديث على ما تجد بيانه في الفتوى رقم: 146197.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني