الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثمرة كثرة المصلين على الميت، وما يرجى بدعائهم واستغفارهم له

السؤال

ماذا يستفيد الميت من كثرة المصلين عليه؟ وهل يقصد بأنهم يشفعون له: أي يغفر له؟ وإن كان يغفر له بذلك, فهل يشمل ذلك تركه للصلاة وظلمه للآخرين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكثرة المصلين على الميت والداعين له والشافعين فيه من أسباب المغفرة له ـ بإذن الله ـ فعن مالك بن هبيرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ يَتَحَرَّى إذَا قَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.

وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

فهذا بعض ما يستفيده الميت المسلم بكثرة المصلين عليه، والمقصود بشفاعتهم له: إخلاصهم الدعاء له وطلبهم من الله أن يغفر له. قال الشوكاني: فيه استحباب تكثير جماعة الْجِنَازَةِ، وَيُطْلَبُ بُلُوغُهُمْ إلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي يَكُون مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَوْزِ، وَقَدْ قُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونُوا شَافِعِينَ فِيهِ: أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدُّعَاءَ، سَائِلِينَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. انتهى.

فطلبهم المغفرة له وشفاعتهم فيه مما يرجى له به المغفرة ـ بإذن الله ـ

وأما حقوق العباد: فلا بد من تأديتها يوم القيامة، فمن مات وعنده لآخر مظلمة استوفيت منه يوم القيامة ولا بد، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ تَنْطَحُهَا.

وقد قال النبي صلوات الله عليه: يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين.

قال المناوي: والمراد به جميع حقوق العباد من نحو دم ومال وعرض، فإنها لا تغفر بالشهادة. انتهى.

فإذا كانت الشهادة على فضلها لا تؤثر في التجاوز عن حقوق العباد عُلِم أنه لا بد من اقتصاصها يوم القيامة، ثم إن هذه النصوص من نصوص الوعد التي يرجى لمن حصلت له أن ينال فضيلتها، وهذا متوقف على استيفاء شروط وانتفاء موانع، فمن مات على التوحيد رجي أن يغفر الله له إذا شفع فيه العدد المذكور، ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء، ولا سبيل إلى القطع بحصول المغفرة في حق شخص معين، أو ذنب معين، فالأمر كله لله، ولكننا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني