الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال كلمة الكفر مازحا وحكم من أخفى إسلامه

السؤال

عرفت أن من قال كلمة الكفر - ولو مازحا - كفر. وأيضا أن من أخفى إسلامه بغير عذر، فقد كفر. ولكني لم أسمع بهذا الحكم في حياتي إلا منذ أشهر قليلة، ومن خلال مواقع الإنترنت، رغم أنني فتى فوق ال 16 عاما من عمري بالتقويم الشمسي، وأنا منذ صغري أستمع للدروس الدينية في التلفاز، وأقرأ الكتب الدينية، ولدينا في البيت مجموعة كبيرة من الكتب، والأشرطة الدينية، وأعلم كثيرا من الأحكام الدينية. وأبي من النادر جدا أن يترك فرضا في المسجد، ويستمع للدروس الدينية منذ سنوات طويلة، إلا أنه أيضا لم يكن يعلم أن حكم من قال كلمة الكفر مازحا أنه يكفر. وكان يعتقد أن الإنسان لا يكفر بهذا.
وأما عن حكم من أخفى إسلامه، فإني سمعت مدرس اللغة العربية والتربية الدينية في صفنا وهو رجل ملتح يقول: إن من قال الشهادتين في نفسه يصح إسلامه، مما جعلني أشك في هذا الحكم، وأقول إن مواقع الإنترنت هذه لا أعلم مصادرها، وأخاف أن يكون كلامها خاطئا. وأنا أعلم بأن من شك في معلوم بالضرورة كفر، علما بأني كما قلت لم أسمع هذا الحكم في حياتي، ولكني نطقت الشهادتين بعدها، مع إيماني الجازم بهذين الحكمين.
فهل هذا كفر وهل هذا معلوم بالضرورة؟ وماذا كان في وسعي أن أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من قال كلمة الكفر - ولو مازحا - كفر؛ لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66].
قال ابن العربي رحمه الله: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أو هزلاً، وهو كيفما كان، كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة. فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل، فإذا حصل الاستهزاء بالله، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو بالدين من شخص عاقل، غير مكره، فإنه يكفر بذلك، ويعتبر ذلك ردة عن الإسلام...اهـ.

وقال النووي في منهاج الطالبين: الردة هي قطع الإسلام بنية، أو قول كفر، أو فعل، سواء قاله استهزاء، أو عنادا، أو اعتقادا. انتهى.

وقال الزركشي في (المنثور): من تكلم بكلمة الكفر هازلا ولم يقصد الكفر، كفر. انتهـى.
وفي (البحر الرائق) لابن نجيم الحنفي: من تكلم بكلمة الكفر هازلا، أو لاعبا، كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به قاضي خان في فتاواه. ومن تكلم بها مخطئا، أو مكرها، لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالما عامدا، كفر عند الكل. انتهـى.

وأما إخفاء الإسلام فلا يصح إطلاق القول في التكفير به، بل لا بد من التفصيل فيه: فلو أن شخصا ما كان كان يقيم الشعائر سرا فلا يكفر بذلك، ولكنه قد يكون عاصيا إذا كان يفرط في صلاة الجماعة، أو كان يتظاهر بالوقوع في الكبائر. وأما إن كان لا يعمل شيئا من الشعائر، فهذا لا يتصور كونه مؤمنا حقا.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى: ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته. فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح. اهـ

وقال - رحمه الله - في شرح العمدة: فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله شيئًا فما دان لله دينًا، ومن لا دين له فهو كافر. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 17836 ،والفتوى رقم: 188701 .

وأما عدم علمك بهذا الحكم، فلا يترتب عليه كفر، وليس هذا من المعلوم من الدين بالضرورة؛ لأن المعلوم من الدين بالضرورة: هو الأمر المقطوع به، الذي يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى التصديق به، لكثرة النصوص الواردة فيه، وتواترها، ونقل العامة والخاصة لهذه النصوص، أو لنقلهم الحكم الذي دلّت عليه، ولا يجد الإنسان في قلبه أدنى شبهة. اهـ من تسهيل العقيدة الإسلامية للدكتور عبد الله الجبرين.

وقال النووي في روضة الطالبين: أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على إطلاقه، بل من جحد مجمعا عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام، كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر، أو الزنا، ونحو ذلك، فهو كافر. ومن جحد مجمعا عليه لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة، وكما إذا أجمع أهل عصر على حكم حادثة، فليس بكافر، للعذر، بل يعرف الصواب ليعتقده. ومن جحد مجمعا عليه ظاهرا لا نص فيه، ففي الحكم بتكفيره خلاف. اهـ.

وجاء في شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: جاحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة ـ وهو ما يعرف منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك، فالتحق بالضروريات، كوجوب الصلاة، والصوم، وحرمة الزنا، والخمر ـ كافر قطعا، لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني