الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشترى طيرا داجنا من شخص ثم علم أنه اشتراه من شخص وجده في الشارع

السؤال

عندي طير داجن ثمنه كبير اشتريته من صديق لي، وعلمت بعد أن أعطاني إياه أنه اشتراه من شخص وجده في الشارع، فما حكمه؟ وهل أنا آثم؟ وإن كنت آثما، فماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كنت تقصد بأن من اشتريت منه الطير الداجن قد اشتراه من شخص قد وجد هذا الطير في الشارع، فحكم الطير الداجن ـ هنا ـ حكم لقطة ضالة الغنم، فإذا التقطها فعل الأصلح من أكلها وضمان قيمتها لصاحبها، أو إمساكها مع الإنفاق عليها، أو بيعها والاحتفاظ لصاحبها بثمنها، وبعد سنة تصبح ملكا لواجدها بعد تعريفها في المكان الذي وجدها فيه وفي أماكن اجتماع الناس في الأسواق وأبواب المساجد والأماكن العامة، قال ابن قدامة في المغني: وَيَتَخَيَّرُ مُلْتَقِطُهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَكْلُهَا فِي الْحَالِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ضَالَّةَ الْغَنَمِ، فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ عَلَيْهَا، لَهُ أَكْلُهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ ـ فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا، وَلِأَنَّ فِي أَكْلِهَا فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا إذَا جَاءَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا بِكَمَالِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَفِي إبْقَائِهَا تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالْغَرَامَةِ فِي عَلَفِهَا، فَكَانَ أَكْلُهَا أَوْلَى، وَمَتَى أَرَادَ أَكْلَهَا حَفِظَ صِفَتَهَا، فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَهَا لَهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ...

الثَّانِي: أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَتَمَلَّكهَا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا بِالنَّفَقَةِ عَلَى مَالِكِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ...

الثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَبِيعُهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ـ وَلَنَا أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا بِغَيْرِ إذْنٍ، فَبَيْعُهَا أَوْلَى... وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا فِي الْحَوْلِ سُقُوطُ التَّعْرِيفِ، كَالْمَطْعُومِ. انتهى مختصرا.
وبناء على ما سبق، فإن شراءك صحيح ولا إثم عليك، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 128627، ورقم: 56279.

وأما إن كنت تقصد بأن من اشتريت منه الطير الداجن قد اشتراه من شخص مجهول: فإن الأصل أن من بيده شيء يعتبر ملكا له ما لم يكن متهما بالسرقة أو نحو ذلك، فاستصحب هذا الأصل ولا يضرك أن تشتري منه مباشرة أو بواسطة، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 65326.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني