الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصدر الدود الذي يأكل جسد الميت

السؤال

قرأت وسمعت بأن الدود الذي يأكل جسد الميت لا يخرج من الأرض، بل من جسم الإنسان على قولين: منهم من يقول بأن الميكروبات والجراثيم التي تكون في جسم الإنسان تتكاثر بعد موته وتصبح دودا، ومنهم من يقول بأن نوعا من أنواع الذباب يضع يرقاته في فتحات جسم الميت ثم تخرج من يرقاته على شكل دود يأكل الميت، فكيف نوفق بين هذه المعلومة وبين لفظ الأرض المذكور في الحديث الشريف: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ـ أعلم علم اليقين بأن أجساد الأنبياء تبقى كما هي، وكذلك بعض المسلمين كبعض الشهداء كرامة من الله, والإشكال هو في لفظ الأرض، فكيف نوفق بينه وبين لفظ الأرض ـ أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بلفظ الأرض: الدود الذي يخرج منها ـ وبين المعلومة التي تقول بأن الدود يخرج من جسم الإنسان؟ أريحوني من هذه الشبهة جزاكم الله خيرا التي أسهرتني بعض الليالي بحثا عن إجابة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

بداية أود الإشارة إلى استحالة تعارض الشرع الثابت القطعي، مع أي قطعيات علمية، فيستحيل تعارض كتاب الله المنزل مع كونه المنظور، قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82}

قال القاسمي رحمه الله: وَلَوْ كانَ أي القرآن مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ تعالى -كما يزعمون- لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً بأن يكون بعض أخباره غير مطابق للواقع، إذ لا علم بالأمور الغيبية، ماضية، كانت أو مستقبلة، لغيره سبحانه، وحيث كانت كلها مطابقة للواقع، تعيّن كونه من عنده تعالى، قال الزجاج: ولولا أنه من عند الله تعالى لكان ما فيه من الإخبار بالغيب، مما يسره المنافقون وما يبيّتونه، مختلفا: بعضه حق وبعضه باطل، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.

وأما ما ذكرت من أمر الديدان: فأهل الطب الشرعي forensic medicine يقررون أن بعض أنواع البكتريا غير الضارة في جسم الإنسان بمجرد وفاته تتحول إلى أن تتغذى عليه، ولا مانع من أن تأتي حشرات أخرى من الخارج لتشاركها، كما لو ترك الإنسان شيئاً من الطعام دون ظروف التخزين الجيد، تلف بمثل ذلك وتعفن.

وأما وجه تعارض ذلك مع الحديث: فلا تعارض ـ إن شاء الله ـ إذ يحتمل وجود حشرات من الأرض تشارك في ذلك، أو باعتبار سكن هذه الديدان والحشرات، وهذا معهود عند العرب إطلاق المحل، وإرادة الحال، كقولهم الغائط، يعنون به الخارج، وأصله المطمئن من الأرض الذي يستتر فيه الإنسان لقضاء حاجته، أو أنه باعتبار مشاهدة المخاطب، فالمخاطب ـ وهم أمة النبي صلى الله عليه وسلم ـ يشاهدون الميت مأكولاً ولا أثر ظاهر إلا الأرض، فخاطبهم على ذلك، وهذه قاعدة معروفة: اعتبار حال المخاطب بالكلام ـ مثالها قوله تعالى: حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ {الشورى: 16}.

لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ { البقرة: 150}.

فهي ليست حججاً عند الله، ولكن سماها حجة باعتبار مفهموهم، إذ هم اعتبروها حجة، ولذلك نظائر كثيرة، وقد مثل د. خالد السبت في تفسيره ـ شرح المصباح المنير على موقعه الشخصي ـ لآية البقرة المتقدمة ـ 150ـ بعدة أمثلة مهمة، فراجعها.

وكذا في قواعده في التفسير: قاعدة: قد يرد الخطاب بالشيء في القرآن على اعتقاد المخاطب دون ما في نفس الأمر.

ولم نجد من شراح الحديث من اعتبر الحديث مشكلاً، ولا أشار إلى ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني