الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطر اليأس والقنوط عند عدم تحقق مراد المسلم من الدعاء

السؤال

جزاكم الله عنا كل خير، أريد نصيحتكم في ما حدث لي: فقد اجتزت بنجاح الامتحان الكتابي لإحدى المباريات لولوج الوظيفة العمومية في المغرب، وكذلك أجبت بشكل صحيح عن الأسئلة خلال الامتحان الشفوي، وسألت الله القبول والنجاح، وقمت الليل ـ كما هي عادتي خاصةً في العشر الأواخر من رمضان ـ وتصدقت ودعوت ربي بإلحاح وتفاءلت خيراً، وقد حدثت وقائع خلال الامتحان جعلتني أفرح معتقداً أنها علامات خير من الله عز وجل، وتصالحت مع كل من خاصمته حتى من كان الخطأ منه، وعندما ظهرت النتائج لم أكن من الناجحين النهائيين ـ قدر الله وما شاء فعل ـ وقد صدمت وتملكني اليأس وفقدت الثقة في نفسي، ولم أعد أصلي النوافل أو أقوم الليل، ولا أدعو الله جل جلاله, ولا أريد أن أكون من الذين يعبدون الله على حرف، أريد معرفة سبب عدم نجاحي رغم اجتهادي في الدعاء وفي الدراسة، والشيطان يستغل الحالة التي أصبحت عليها، فيزيد من يأسي وحزني، فأصبحت أقول في نفسي ربما ارتكبت ذنوباً تحول بيني وبين الاستجابة لي، وربما ربي غير راضٍ عني, والفضل لله لم أرتكب أياً من السبع الموبقات، أسألكم النصيحة والدعاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس عندنا ما يجزم به في سبب ما ذكرت، ولكن المسلم المستقيم على طريق الله تعالى لا ينبغي له أن يحزن أو ييأس، فمادام متمسكًا بدينه ممتثلاً لأوامر الله تعالى، فإن أمره كله خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له. رواه مسلم.

فعلى المسلم أن يبتعد عن اليأس والقنوط، فقد حذر الله تعالى منهما في محكم كتابه، فقال تعالى على لسان يعقوب ـ عليه السلام ـ لبنيه: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}.

وقال عن إبراهيم عليه السلام: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.

وإذا تسلل شيء من الحزن فينبغي أن يطمئن قلبه بذكر الله والأنس به، ويدعو بالدعاء الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً هم ولا حزن قط فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً، قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.

واعلم أن دعاء المسلم لن يضيع، فإما أن يعجل الله له به ما أراد، وإما أن يدخر له ثوابه، وإما أن يصرف عنه به شرا، أو بلاء في هذه الدنيا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر. رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الشيخ الألباني.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وفيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. انتهى.

وقال المناوي في فيض القدير: فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه بحسب ما تقتضيه مصلحته وحاله، فأشار به إلى أن من رحمة الله بعبده أن يدعو بأمر دنيوي فلا يستجاب له، بل يعوضه خيرا منه من صرف سوء عنه، أو ادخار ذلك له في الآخرة، أو مغفرة ذنبه. انتهى.

وعلى هذا، فإن المسلم دائما يكثر من دعاء الله تعالى ويرجو الإجابة، وإذا كان دعاؤك بحصول أمر دنيوي، ولم تر الإجابة، فاعلم أن دعاءك لن يضيع، بل ستحصل على إحدى الخصال الثلاث المتقدمة، واحرص على توفر شروط إجابة الدعاء، وانتفاء موانع الإجابة، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 71758، ورقم: 123487.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني