الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استشكال حول سن ابن عمر يوم الخندق

السؤال

في صحيح البخاري رواية لابن عمر يقول فيها: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فلم يجزني, وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر فأجازني, وسؤالي: هناك مأخذ على هذه الرواية, وذلك أن غزوة أحد وقعت سنة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث المروي في صحيح البخاري فيه أنه كان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة، لا ابن ثلاث عشرة سنة، فقد أخرجه البخاري بسنده عن نافع أنه قال: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي».
وحيث إن سؤالك لم يكتمل، فلعلك تستشكل أن تكون سن ابن عمر - رضي الله عنهما - في الخندق خمس عشرة سنة، والمشهور أنها وقعت في السنة الخامسة، وأن أحدًا وقعت في السنة الثالثة، فتكون - على هذا - سنه في الخندق ست عشرة سنة إذا كانت في أحد أربع عشرة سنة.
فإن كان هذا هو سؤالك, فجوابه ما ذكره الحافظ في الفتح، وإن كان سؤالا آخر فلعلك تصححه في سؤال جديد.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: قَالَ ابن سَعْدٍ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يكون فِي الخَنْدَق ابن سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. اهـ. وَهُوَ أَقْدَمُ مَنْ نعرفه اسْتشْكل قَول ابن عمر هَذَا, وَإِنَّمَا بناه على قَول ابن إِسْحَاقَ, وَأَكْثَرُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ, وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ شَهْرِهَا, كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي, وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ, وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَاءَ مَا قَالَ يزِيد أَنه يكون حِينَئِذٍ ابن سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً, لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ جَنَحَ إِلَى قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ, وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ, وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, وَعَنْ مَالِكٍ: الْجَزْمُ بِذَلِكَ, وَعَلَى هَذَا لَا إِشْكَالَ, لَكِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا تَوَجَّهُوا فِي أُحُدٍ نَادَوُا الْمُسْلِمِينَ: مَوْعِدُكُمُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ بَدْرٌ, وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَيْهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ فِي شَوَّالٍ فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا, وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى بَدْرَ الْمَوْعِدِ, وَلَمْ يَقَعْ بِهَا قِتَالٌ, فَتَعَيَّنَ مَا قَالَ ابن إِسْحَاقَ أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ, فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى الْجَوَابِ عَنِ الْإِشْكَالِ, وَقَدْ أجَاب عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره بِأَن قَول ابن عمر عرضت يَوْم أحد وَأَنا ابن أَرْبَعَ عَشْرَةَ - أَيْ: دَخَلْتُ فِيهَا - وَأَنَّ قَوْلَهُ عرضت يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابن خَمْسَ عَشْرَةَ - أَيْ: تَجَاوَزْتُهَا - فَأَلْغَى الْكَسْرَ فِي الْأُولَى, وَجَبَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ, وَهُوَ شَائِعٌ مَسْمُوعٌ فِي كَلَامِهِمْ, وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ, وَهُوَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني