الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دفع رشوة لعمل إقامة في بلاد الكفر

السؤال

شيخنا الحبيب: نفع الله بعلمك ورفع قدرك في الدنيا والآخرة: أرجو منك أن تعطيني قدراً يسيراً من وقتك عسى أن ينفعني الله بما ستجيبني به ـ بإذنه تعالى ـ وسؤالي هو: هل حالي هذه تدخل في باب الضرورة التي تبيح المحظور؟ أنا شاب أعيش في بلاد الكفر منذ 14سنة، وأعلم أقوال أهل العلم في هذه المسألة، والتي هي الحرمة، إلا إذا توفرت الشروط، ومشكلتي هي أنني مقيم بصفة غير شرعية ولا أستطيع الخروج من هذه البلاد إلا بشكل مذل للغاية وخاصة أن زوجتي منتقبة ويجب عليها خلع نقابها والقفازين لأخذ بصمات العين والأصابع، وأمر بظرف عصيب جداً، حيث لا يمكنني أن أجد عملاً بدون أوراق الإقامة، والمشكلة أن العمل متوفر وخاصة ما يتوافق مع قدراتي، مما يضطرني إلى قبول أعمال شاقة أجد فيها ما أجد من العنت والذل والمضايقة بسبب التزامي بأدائي لصلواتي في وقتها، وأي مكان أذهب إليه يسألون عن أوراق الإقامة مما يعرضني للكثير من الحرج، وإن وقع مشكلة ما، لا أستطيع أن أرد الظلم عني، لأنني لا أملك حقا إدارياً، كنت أعمل مدرساً للغة الانجليزية عن طريق السماسرة بشكل غير قانوني، مما اضطرني إلى الكذب في كل الأوقات إذا سئلت عن جنسيتي حتى يتم قبولي، لأنهم لا يقبلون إلا من كانت لغته الأم هي الانجليزية كالآمريكان و..و..و.. لكنني والحمد لله تركت هذه الأعمال، لأن الكذب حرام ولا يأتي إلا بشر، ولأنني لم أكن أستطيع أن أظهر ديني فتركت كل هذا موقنا أن المولى عز وجل سيعوضني خيراً منه، نسأل الله الإخلاص، ضيعت الكثير من الأوقات والصلوات في هذه البلاد، وكنت أحيانا أستحيي أن أظهر ديني ـ أسأل الله أن يغفر لي ويتوب علي ـ ومنذ أن تزوجت قبل خمس سنوات رجعت إلى الله عز وجل وبدأت أظهر شعائر ديني وأصلي أينما أدركني وقت الصلاة وأخرج مع أهلي مرتديةً نقابها والحمد لله، كما أنني أدعو إلى الله حسب استطاعتي، فتدهورت أموري بشكل رهيب إلى أن وصلت بنا الحال إلى أن صرنا لا نجد ما نأكله والله المستعان، ومع ذلك أصبر نفسي وأهلي أن هذا من البلاء الذي لا بد لكل مؤمن أن يمر به، فالله يمتحننا ليرى كيف نعمل؟ نسأل الله الثبات، وفي القانون الدولي أنك إذا مكثت في بلد ما في أوروبا أو أمريكا مثلاً لعشر سنوات يمكنك الحصول على الإقامة الدائمة على الأقل، أما إذ رزقت بمولود في تلك الديار فإنك مباشرة تحصل على الإقامة، لكن في هذه البلاد سبحان الله لا شيء من هذا يوجد، إذا كنت غير شرعي فيها، لكنك تستطيع أن تحصل على الإقامة عن طريق الوساطة، وذلك عن طريق دفع المال لهذا الوسيط الذي بدوره سيعطي المال للعامل في مصلحة الجوازات والإقامة لكي ينجز لك المهمة، وليس في نيتي أن أمكث في بلاد الكفر أو أن أنشئ أولادي فيها، لأن هذا الأمر لا يجوز، حتى ولو حصلت على الجنسية، ونيتي هي العودة إلى بلاد الإسلام والاستقرار فيها مع أهلي، ونيتي هي العمل في التجارة بدءًا من هذه البلاد وانتهاءً ببلدي، وذلك بالمجيء إلى هذه البلاد من حين إلى آخر لتفقد تجارتي ثم شراء ما يمكن شراؤه ثم شحنه إلا البلد ثم العودة وهكذا، لا أريد أن أرجع إلى الوطن أجر أذيال الخيبة بعد كل هذه السنين، أعلم أن الرزق بيد الرزاق ذي القوة المتين، لكنني فعلاً لا أقدر أن أرجع هكذا، فهل يجوز أن أعطي ذلك الوسيط مالاً لكي أحصل على حق الإقامة؟ أم ليس لي أي عذر شرعي؟ وجزاكم الله عني وعن المسلمين خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت في سؤالك أن العقبة دون تركك لتلك البلاد هو ما قد تتعرض له عند المغادرة من طلب كشف وجه الزوجة أو يديها لعمل الإجراءات اللازمة، وهذا يجوز للحاجة، وليس عذرا يبيح لك البقاء في تلك البلاد، كما أن مسألة الرزق والخشية من جر أذيال الخيبة ـ كما تقول عند عودتك دون تحقق ما كنت تطمح إليه ـ لا يبيح لك ما هو محرم، بل إن المرء قد يكره ما فيه خيره، ويحب ويحرص على ما فيه شره، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

والرزق لن يأتي للمرء إلا ما كتب له منه، وما قدر له سيأتيه حيث هو، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا {هود:6}.

وصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. وهو في الحلية لأبي نعيم عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ وعزاه ابن حجر لابن أبي الدنيا، وذكر أن الحاكم صححه من طريق ابن مسعود.

والرشوة محرمة، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وفي رواية: والرائش ـ وهو الساعي بينهما.

فلا يجوز بذلها ما لم تلجئ إليها ضرورة كمن لم يستطع الوصول إلى حقه الذي لا بد له منه إلا بالرشوة، فإنها تجوز له في هذه الحالة، ويكون الإثم في ذلك على المرتشي، ولا شيء من ذلك هنا حسبما ذكرته في السؤال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني