الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أفتوني في شابة حملت سفاحًا, وأنجبت طفلة أنثى, وأنكرها الذى زنى بها, ثم حملت سفاحًا للمرة الثانية وأنجبت طفلًا ذكرًا من شاب آخر, وأنكرها أيضًا, فتزوجت بعد ذلك بشاب آخر على سنة الله, وقبلها بأبنائها, وأنجبت له أربعة أطفال, والأطفال ينسبون إلى هذا الزوج, والشاب الأول - أبو الطفلة الأولى - يرسل الهدايا سرًا إلى ابنته دون علم الزوج, فهل يجوز نسب البنت إلى الشاب أم الى الزوج الحالي - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز أن تنسب هذه البنت قطعًا إلى زوج أمها الحالي؛ لأنه لا صلة بينهما في شريعة الله تعالى, فإن التبني قد أبطله الإسلام وحرمه.

وأما عن نسبة هذه البنت لأبيها من الزنا: فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يجوز أن يلحق ابن الزنا بأبيه, ولا أن ينسب إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش ، وللعاهر للحجر. متفق عليه.

قال ابن قدامة في المغني: وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور. اهـ بل حكاه ابن عبد البر إجماعًا فقال: وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته, وأكمل دينه, فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدًا عند أحد من العلماء كان هناك فراش أو لم يكن. وقال: أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح, أو ملك يمين .اهـ.

وولد الزنا ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية، وتترتب عليها الولاية الشرعية, والتعصيب, والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوة؛ لأنه ابنها حقيقة.

هذا, وقد ذهب بعض أهل العلم إلى لحوق نسبة ابن الزنا إلى أبيه إن استلحقه ولم يكن هناك فراش, أي لم تكن المرأة متزوجة عند وقوع الزنى، قال ابن تيمية: وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه, وهو مذهب الحسن, وابن سيرين, والنخعي, وإسحاق .اهـ.

وقال ابن القيم: فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يعارضه، هل يلحقه نسبه ويثبت له أحكام النسب؟ قيل: هذه مسألة جليلة اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فراش يدعيه صاحبه، وادعاه الزاني - ألحق به، وأوّل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش، كما تقدم، وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة، فولدت ولدًا، فادعى ولدها فقال: يجلد ويلزمه الولد, وهذا مذهب عروة بن الزبير, وسليمان بن يسار، ذكر عنهما أنهما قالا: (أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يدع ذلك الغلام أحد، فهو ابنه), واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من «الولد للفراش», وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه، فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يلحق بأمه، وينسب إليها، وترثه ويرثها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زنت به، وقد وجد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتفقا على أنه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره؟ فهذا محض القياس، وقد قال جريج للغلام الذي زنت أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال: فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يمكن فيه الكذب. اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين :12263 - 6045.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني