الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رتبة قصة طعن عمرو بن الحمق الخزاعي لعثمان رضي الله عنه

السؤال

يقول بعض الروافض: إن الصحابي عمر بن الحمق الخزاعي بايع تحت الشجرة, ولكنه في الجانب الآخر طعن عثمان - رضي الله عنه - تسع طعنات, وقال: ثلاثة لله, وستة لشيء في نفسي فهل يصح هذان الخبران: مبايعته تحت الشجرة, وطعنه لعثمان؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما مبايعته تحت الشجرة، فلم نر من ذكر ذلك في ترجمته - رضي الله عنه - ولو ذكِر فلا يصح؛ لأنه لم يسلم إلا بعد الحديبية أصلًا، وقيل: بل أسلم بعد حجة الوداع, قال الحافظ المزي في ترجمته من تهذيب الكمال: بايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وصحبه بعد ذلك. اهـ.
وقال الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب: هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية, وقيل: بل أسلم عام حجة الوداع, والأول أصح. اهـ. ونقل ذلك ابن حجر في الإصابة, ولم يتعقبه.
وأما مسألة طعنه لعثمان - رضي الله عنه - تسع طعنات ... فهذا مذكور في كتب التاريخ، وأصل ذلك عند ابن سعد في الطبقات من طريق شيخه الواقدي, وعند الطبري من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى, ومن هذين المصدرين نقل بقية المؤرخين، كابن عساكر, والبَلَاذُري, وابن الأثير, والذهبي, وابن كثير, وكل من الواقدي وأبي مخنف لا تصح روايته، فهما من المتروكين.

ومن المعلوم أن المؤرخين الأوائل قد أسندوا ما نقلوه لتبرئة ذممهم، كما قال الطبري في مقدمة تاريخه: ما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا. اهـ.

ولهذه القصة إسناد ثالث تالف، حيث قال ابن شبة في تاريخ المدينة النبوية: حدثنا علي، عن عيسى بن يزيد، عن صالح بن كيسان ـ فذكر رواية في مقتل عثمان وفيها: وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات, وقال: علمت أنه مات في الثالثة، فطعنته ستًا لما كان في قلبي عليه. اهـ.

وعيسى بن يزيد هو عيسى بن يزيد بن بكر بن داب أبو الوليد المديني، ترجمه الذهبي في الميزان وقال: حدث عن هشام بن عروة وصالح بن كيسان وغيرهما .. وكان أخباريًا علامة، رواية عن العرب، نسابة، نديمًا، ولكن أحاديثه ساقطة, قال خلف الأحمر: كان يضع الحديث, وقال البخاري: منكر الحديث .. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. اهـ.
وقد سبق لنا التنبيه على ضعف المرويات التاريخية التي تطعن في الصحابة في فتنة مقتل عثمان, وتحملهم وزر سفك دمه ظلمًا - رضي الله عنه - وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 183763، 120751، 29774, وراجع في ما يخص عمرو بن الحمق الخزاعي وتأليبه على عثمان - رضي الله عنه - الفتوى رقم: 206797, ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 134800.
ومن الكتب المهمة في هذا الموضوع والتي بينت المرويات الضعيفة والواهية فيه ـ ومنها قصة عمرو بن الحمق وطعنه لعثمان تسع طعنات ـ : رسالة الماجستير للدكتور محمد بن عبد الله الصبحي فتنة مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني