الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة المذنب مع ستره على نفسه أفضل من اعترافه

السؤال

ما حكم من قذف السيدة عائشة - رضي الله عنها - واتهم الرسول بالكفر ثم تاب بعد سنين؟ وهل يجب أن يذهب إلى القاضي ليقيم عليه الحد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك في كفر من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر.

وقذف السيدة عائشة بالزنا كفر أيضًا كما ذكرنا في الفتوى رقم: 56164، والفتوى رقم: 207232.

وتوبة المرتد تكون بنطق الشهادتين, والتوبة من القول أو الفعل الذي كان سببًا في كفره، وانظر الفتوى رقم: 209236، والفتوى رقم: 94873.

وإذا توافرت في توبة المرتد شروطها من الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، فإنها تكون صحيحة مقبولة عند الله تعالى, ولو بعد سنين, طالما وقعت قبل طلوع الشمس من مغربها, وما لم يعالج العبد سكرات الموت, فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم, وقال عليه الصلاة والسلام: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني, هذا بالنسبة لأحكام الآخرة.

أما بالنسبة لأحكام الدنيا: فقد اختلف العلماء في قبول توبة من سب الرسول عليه الصلاة والسلام - بمعنى سقوط القتل عنه - مع اتفاقهم على أن توبته الصادقة تنفعه فيما بينه وبين الله، وقد سبق ذكر الخلاف في الفتوى رقم: 117954، والفتوى رقم: 174601.
وعمومًا: فلا يجب على الشخص المذكور أن يذهب إلى القاضي ليقيم عليه الحد، بل الأولى له ستر نفسه، سواء اشتهر عنه ذلك أم لا على الراجح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله, من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله, فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك, وصححه الألباني.
وقال ابن قدامة في المغني: وإن كانت معصية مشهورة: فذكر القاضي أن الأولى الإقرار به ليقام عليه الحد; لأنه إذا كان مشهورًا فلا فائدة في ترك إقامة الحد عليه, والصحيح أن ترك الإقرار أولى; لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض للمقر عنده بالرجوع عن الإقرار فعرض لماعز, وللمقر عنده بالسرقة بالرجوع مع اشتهاره عنه بإقراره, وكره الإقرار؛ حتى أنه قيل لما قطع السارق كأنما أسف وجهه رمادًا, ولم يرد الأمر بالإقرار, ولا الحث عليه في كتاب ولا سنة, ولا يصح له قياس, إنما ورد الشرع بالستر والاستتار, والتعريض للمقر بالرجوع عن الإقرار, وقال لهزال - وكان هو الذي أمر ماعزًا بالإقرار - يا هزال, لو سترته بثوبك كان خيرًا لك. وقال أصحاب الشافعي: توبة هذا إقراره ليقام عليه الحد, وليس بصحيح لما ذكرنا; ولأن التوبة توجد حقيقتها بدون الإقرار, وهي تجب ما قبلها, كما ورد في الأخبار, مع ما دلت عليه الآيات في مغفرة الذنوب بالاستغفار وترك الإصرار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني