الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إزالة التعارض بين آيتين

السؤال

يقول الإمام مالك رحمه الله: جاءني ملك الموت في يوم وأنا نائم فسألته فقلت له: كم بقي لي من عمري؟ فرد عليّ وأشار بكف يده ـ أي خمسة ـ فاستيقظت من نومي ولم أعرف أهي خمس سنين؟ أم خمسة أشهر؟ أم خمسة أسابيع؟ أم خمسة أيام؟ فأصبحت في حيرة من أمري فذهبت إلى ابن سيرين مفسر الأحلام في عصره وقلت له ما رأيت في منامي!! وقلت له جاءني ملك الموت في منامي فسألته وقلت له يا ملك الموت كم بقي من عمري؟ فأشار لي بكف يده أي خمسة.... فقال له العلامة ابن سيرين: إن ملك الموت يقول لك إن هذا السؤال من بين خمسة أسئلة لا يعلمها إلا الله: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفـسٌ ماذا تكسب غـدا وما تدري نفـسٌ بأي أرضٍٍ تموت إن الله عليمٌ خبيرٌ ـ من جهة أخرى، قال العلماء في تفسير قوله تعالى: عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال في قوله: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ـ يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر، حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان، وسؤالي هو: إذا صحت الرؤيا عن الإمام مالك، فكيف توفقون بين تفسير ابن سيرين للخمس التي أشار إليها ملك الموت ومنها أنه لا يعلم متى يموت الإمام مالك، وقول العلماء إنه في ليلة القدر يعرف ملك الموت من سيموت في السنة القادمة كلها؟ أم أن الرؤيا لا تصح عن الإمام مالك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه القصة لم نطلع بعد البحث على من صححها من أهل العلم، وحتى لو صحت فإن المنامات لا ينبني عليها حكم، وأما الآيتان: فلا تعارض بينهما، وذلك أن العلم بموت من قدر موته في هذه السنة يخرج من دائرة حيز الغيب المطلق إلى حيز الغيب النسبي في ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر، فلذا يعلمه الملائكة، فقد ذكر أهل العلم أن ليلة القدر يكتب فيها جميع ما سيكون في السنة، ومنه قبض الأرواح، أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، ثم قرأ: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. يعني: ليلة القدر، ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل ـ قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح على شرط مسلم.

وقال الإمام القرطبي: قال ابن عباس: يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق، وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم، وقيل إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران، قاله ابن عمر، قال المهدوي: ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل، قال ابن عباس: ينسخ من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج، يقال: يحج فلان ولا يحج فلان، وقال في هذه الآية: وإنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، وهذه الإبانة لأحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني