الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزانية والزاني إن تابا فهل هناك حرج في نكاحهما

السؤال

أرجوكم ساعدوني: تبت بعد علاقة جنسية مع خطيبي، وزفافنا قريب، وكلانا يحب الآخر حبا جنونيا، ونسكن في بلاد الكفر، وشاء القدر أن نقع في الزنا، وتبنا بعد أن شجعني على التوبة. وقرأت صدفة فتوى ليست لأهل السنة، بل من المذهب الإباضي تفيد بحرمة زواجنا حتى لو تبنا!!!مثل القاتل الذي لا يرث من قتله، لكن هناك فرق بين القتل والزنا، ونحن تبنا. وأيضا رأيت هذا الأثر في موقع سني:إذا حسنت توبتها، وعُلم أنها لا يمكن أن تعود للزنا، وتاب هو أيضاً. فمحل خلاف. فقد ورد عن أيمن بن أم أيمن -رضي الله عنه- أنه كان زنى بامرأة في الجاهلية، فلما كان يوم الفتح استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بها فلم يأذن له في ذلك، أخبره أنه زنى بها في الجاهلية، واستأذنه أن يتزوج بها فلم يأذن له.
الإسلام يجب ما قبله. لماذا حرم النبي نكاحهما؟ فهل لأنه لم يتأكد من أنها لم تعد زانية أم من ناحية الورع!! فهذا الأثر وجدته في موقع وأباح نكاح الزاني بالزانية بعد التوبة...!!! الزواج إما حلال أو حرام وإذا كان حراما فلماذا لم يذكر الرسول صراحة الزنا من قبل الزواج بأنه محرم حرمة أبدية للزواج مثل الرضاع أو اللعان؟!!!!!
ثم إنني لست مقتنعة بفتوى المذهب الإباضي، فهم لا ينظرون للحق بل يقدمون الحرام دون النظر للأدلة، وهم يحرمون نكاح الرجل بمن نظر لفرجها، ويحرمون المرأة حرمة أبدية لو عاشرها زوجها من الدبر، أو القبل في فترة الحيض بحجة: من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وأنا سنية. فهل تعجلي الزنا بخطيبي موجب للحرمة الأبدية !!ما صحه فتوى الإباضية بحرمة زواج الزاني بمن زنى بها سدا للذرائع فمن يتزوجها بعد التوبة أليس هو أحق بها؟؟
وما صحة الأثر أعلاه عن النبي بأنه منع نكاح الرجل بمن زنا بها بعد أن أسلم مع أنه لم يذكر عن المرأة شيئا؟
ثم أرجوكم الزواج حرام أو حلال أريد الستر وأريد أن أتزوج بذلك الرجل ونجتمع معا في الجنة فنحن تائبان. فهل يجوز زواجنا؟
إن النبي في حديث آخر سئل عن رجل زنا بامرأة ثم أراد تزوجها أو ابنتها فأجاب بأن الحرام لا يمنع الحلال!!
أخاف لأني قرأت فتوى المذهب الإباضي فأخاف أن يحاسبني ربي بحسبها مع أنني لست مقتنعة بها!!! فما الحل وما مدى صحة زواج الزاني بالزانية بعد التوبة فهما لم يعودا زانيان !!! وهل حديث النبي: أيما رجل زنا بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبدا. هل هذا حديث صحيح؟! ولو كان صحيحا فهل يدل أن العقد باطل بينهما حتى لو تابا أو أسلما؟ فالمذهب الإباضي يحرم الزواج إلا إذا كان الاثنان غير مسلمين ثم أسلما، فحسب رأيهم يكون حلالا. كيف يتم الجمع بين الأحاديث والأدلة؟ وهل لو تزوجت به وسترت نفسي بعد توبتنا فهل يكون حراما وهل أعاقب لأني لم أتبع الإباضية بتحريم الزواج!!!!الإباضية غير منصفين فإنهم لا ينظرون في الأدلة، ولا يقدمون الأحوط بل يتمسكون بالمنع، ولا يقبلون الرخص الشرعية، فهم يحرمون زواج الزانية بالعفيف حتى لو تابت!!!
أرجوكم أنا في فترة امتحانات، وقد تعبت من التفكير وأنا مصابة بالوسواس القهري بالنسبة للدين بعد أن قرأت فتاوى الإباضية الغريبة. هل أحرم على من زنا بي حرمة أبدية لذلك الأثر عن الرسول: إذا حسنت توبتها وعُلم أنها لا يمكن أن تعود للزنا وتاب هو أيضاً فمحل خلاف، فقد ورد عن أيمن بن أم أيمن رضي الله عنه أنه كان زنى بامرأة في الجاهلية، فلما كان يوم الفتح استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بها فلم يأذن له في ذلك، أخبره أنه زنى بها في الجاهلية، واستأذنه أن يتزوج بها فلم يأذن له؟؟
أجيبوني فإن الشيظان يقول لي أن أرتد عن الإسلام فحتى العقيدة اختلف فيها السنة والإباضية. فكيف لا يختلفون في أمر زواجي؟؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، وأن يتوب عليك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
وقبل أن نجيبك نود لفت نظرك إلى أن الخلاف في هذا الحكم أو غيره من الأحكام، لا يستدعي الوسوسة في الردة عن الإسلام والعياذ بالله. ودين المرء ينبغي أن يكون أغلى وأعظم وأهم ما لديه، فيوطن نفسه على اتباع أمر الله وطاعته، والاستقامة على شريعته، وإن خالف ذلك هوى النفس ومرادها، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء].
وأما جواب سؤالك، فاعلمي أن مذاهب الأئمة المتبوعين من أهل السنة اتفقت على أن من تاب من الزنا فلا حرج في نكاحه، بل إن جمهور العلماء على صحة النكاح ولو بغير توبة؛ وراجعي في ذلك الفتويين: 36807، 38866.
وقال السيوطي في (الدر المنثور): أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق سعيد مولى ابن عباس قال: كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله علي، وقد رزقني الله منها توبة، فأردت أن أتزوجها فقال الناس: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ! فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من إثم فعليَّ. اهـ.
وراجعي في تفسير قوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. [النور: 3] الفتوى رقم: 5662.

وأما حديث أيمن بن أم أيمن وزناه بامرأة في الجاهلية، فلم نجده في ما تيسر لنا من كتب الحديث، لا بإسناد صحيح، ولا بإسناد ضعيف !!
وأما حديث: "أيما رجل زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبدا" فليس بمرفوع، بل هو مروي عن بعض الصحابة موقوفا، كابن مسعود وعائشة والبراء بن عازب. وقد روى هذه الآثار سعيد بن منصور في سننه في: (باب الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها) وروى معها ما يخالفها عن صحابة آخرين كعمر بن الخطاب وابن عباس.
وقد روى البيهقي في سننه أثر عائشة بلفظ: "لا يزالان زانيين" . ثم قال: ويذكر عن البراء بن عازب نحو قول عائشة رضي الله عنها، وقد عورض بقول ابن عباس، كما عورض بقوله قول عائشة رضي الله عنها، ومع من رخص فيه دلائل الكتاب والسنة. اهـ.
يعني أن الراجح من فتاوى هؤلاء الصحابة فتاوى من أباح زواجهما، لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.
ويمكن حمل أثر عائشة وابن مسعود والبراء على من لم يتب من زناه، وقد روي عن ابن مسعود ما يؤيد ذلك.

ففي (مصنف عبد الرزاق) عن ابن سيرين قال: سئل ابن مسعود عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ قال: «هما زانيان ما اجتمعا» قال: فقيل لابن مسعود: أرأيت إن تابا؟ قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} [الشورى: 25]. قال: فلم يزل ابن مسعود يرددها حتى ظننا أنه لا يرى به بأسا. اهـ.

والحاصل أنه لا حرج في زواجكما، والمهم أن تجتهدي في طاعة الله تعالى وإكمال طريق التوبة، بإتباع السيئات بالحسنات الماحيات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) [الفرقان].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني