الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول تفسير الصحابة للقرآن

السؤال

معلوم أن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حَبْر الأمة وترجمان القرآن، ومعلوم أيضًا أن الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم البشر بِكتاب الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هنالك كُتب لتفسير القرآن الكريم للصحابة الأجِلاء - رضي الله عنهم -؟ أريدها أن تكون للصحابة فقط, وليس للتابعين, وفي بعض تفاسير القرآن الكريم - كتفسير ابن كثير - رحمه الله – وغيره - أجد أنهم يستشهِدون بِعدة أقوال للصحابة الكِرام، فلماذا كان هنالك اختلاف بين الصحابة؟ ولماذا لا نقتصر على تفسير عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - لأنه ترجمان القرآن؟ أتمنى توضيح معنى ترجمان؛ لأني أتوقع أن معناها مُفسر, أو عالم كبير, أو شيء من هذا القبيل - والله أعلى وأعلم - وهل الشيخان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - أعلم بتفسير القرآن من عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -؟ وهل الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أعلم بالقرآن الكريم من عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -؟ أتمنى أن تذكروا لي أعلم الصحابة بتفسير القرآن الكريم بالترتيب إن أمكن، حتى إن كانت الإجابة ستستغرق الكثير من الوقت فلا يهم، فالأهم الفائدة - جزاكم الله خير الجزاء -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجمع المسلمون على أن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - كان في عصره إمامًا في العلم, فريدًا في التفسير؛ فاستحق بذلك هذا اللقب عن أهلية وجدارة لعلو همته, ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ. رواه أحمد, وغيره، وصححه الأرناؤوط.
ولكن القرآن الكريم لم يفسر تفسيرًا كاملًا في العهد الأول، لا من النبي صلى الله عليه وسلم, ولا من غيره، نظرًا لعدم حاجة الناس لذلك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر للناس ما يحتاجون إلى تفسيره, ويبين لهم ما يحتاجون إلى تبيينه امتثالًا لأمر الله تبارك وتعالى, حيث أمره بقوله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل: 44} وهكذا كان ابن عباس وغيره من الصحابة - رضوان الله عليهم - يفسرون ما يحتاج الناس إلى تفسيره من القرآن؛ لأن أكثر الناس في ذلك الوقت لا يحتاجون للتفسير نظرًا لسليقتهم العربية, ومشاهدتهم لمراحل الدعوة, ومعرفة أسباب نزول القرآن.
ولذلك لا توجد كُتب مستقلة في تفسير القرآن الكريم للصحابة, ولا للتابعين، ولكن أقوالهم نقلت إلينا في كتب التفسير التي دونت بعدهم, كتفسير الطبري, وغيره.
والصحابة اختلفوا في التفسير, وفي الفروع, وفيما يحتمل وجوهًا عدة؛ لذلك فإن ما تلاحظه في كتب التفسير من أقوال مختلفة لهم لا ينبغي لطالب العلم أن ينزعج منه, أو يضيق به ذرعًا؛ لأن هذا النوع من الاختلاف مقبول, وتحتمله الآيات القرآنية؛ فهو اختلاف رحمة وتوسعة, وإثراء للتفسير والفقه، ولهذا قال العلماء: اختلاف الأئمة رحمة واسعة, وإجماعهم حجة قاطعة.
وأكثر اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير – بل واختلاف ابن عباس نفسه - هو اختلاف تنوع، وليس اختلاف تضاد؛ لأن القرآن الكريم بحر زاخر حوى من معارف الأولين والآخرين, وعلوم الدين والدنيا, وما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وإصلاح حالهم ومآلهم، ولن تنتهي عجائبه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو معجزة الإسلام الخالدة, وخاتمة وحي السماء وهدي الأنبياء، فلا يمكن أن يكتفى فيه بتفسير عالم واحد, ولو كان تفسير حبر الأمة وترجمان الذكر - ابن عباس - ولا يمكن أيضًا أن يكتفى فيه بتفسير مدرسة خاصة, أو عصر من العصور, أو مصر من الأمصار, ولو كان من القرون المفضلة, أو من الأمصار المعروفة بالعلم, فكل عالم أو أهل عصر أو مصر يغرفون من معين بحره حسب علمهم وفهمهم، وما يهتمون به من معارف، ويستخرجون من كنوزه ما يفتح الله تعالى به عليهم؛ ولهذا نلاحظ تفسير الفقهاء، وتفسير أهل اللغة والأدب، وتفسير أهل الدعوة والإصلاح، وتفسير أهل التربية والأخلاق.
وفي العصر الحديث ظهر التفسير في الإعجاز العلمي للقرآن في شتى المجالات؛ فالكل يغرف من بحر القرآن قدر إنائه, وحسب تخصصه.
وأما عن أعلم الصحابة بالتفسير فلا يمكننا تحديده، والذي لا شك فيه أن أبا بكر, وعمر, وعثمان, وعليًا, وابن مسعود, وأبي بن كعب, وزيد بن ثابت, وغيرهم من الرعيل الأول - رضوان الله عليهم - كانوا أعلم الناس بتفسير القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم الذين أخذ عنهم ابن عباس وطبقته أكثر علمهم في التفسير والحديث, وقد قال عليّ - رضي الله عنه - عن نفسه: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، وسلوني عن كتاب الله, فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار, أم في سهل أم في جبل.

وقال - فيما رواه ابن سعد -: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وعلام نزلت، إن ربي وهب لي قلبًا عقولًا، ولسانًا ناطقًا.
وقال ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.

وقد زكّاه عليّ - رضي الله عنه - وشهد له بسعة علمه وعلو كعبه في ذلك، فقد قالوا لعلي: أخبرنا عن ابن مسعود، قال: «علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى بذلك علمًا». انظر مقدمة تحقيق تفسير ابن عطية.
وكان ابن عباس أعلم الناس بالتفسير في طبقته، وأهل مدرسته في مكة أعلم الناس بالتفسير, قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح, وعكرمة مولى ابن عباس, وسعيد بن جبير, وطاووس, وغيرهم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني