الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هبة الوالد لبعض ولده

السؤال

فضيلة الشيخ بارك الله فيك: توفي أبي وترك لنا 365 ألف ريال، فأخذت منها 145 ألفا اشتريت بها أرضا بموافقته ـ الله يرحمه ـ وسجلتها باسمي، فهل يدخل مبلغ الأرض في التركة أم لا، لأنه كان قبل وفاة والدي؟ وكيف توزع التركة بيننا، وذلك لنبرئ ذمة والدنا؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن أخذك شيئا من مال والدك بإذنه لا يخلو من ثلاث حالات:
أولها: أن تكون قد أخذته في حال صحته في غير مرض مخوف، فهذه هبة قد تمت ويصير ملكا لك, لكن إذا كان لوالدك أبناء أو بنات غيرك، فإنه كان يلزمه أن يعطيهم كما أعطاك حتى يعدل بينهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ. متفق عليه.

وإذا مات قبل أن يعدل مضت الهبة في قول جمهور أهل العلم، وقال بعضهم يلزمك رد المال ولو بعد الممات, قال في الإنصاف: فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية.. فإن مات قبل ذلك ثبت للمعُطى، وعنه لا يثبت وللباقي الرجوع، اختاره أبو عبد الله بن بطة وابن عقيل والشيخ تقي الدين.

وقال في الإنصاف: وقياس المذهب لا يجوز ـ أي التخصيص ـ وحكي عن الإمام أحمد بطلان العطية.

وقال الشيخ تقي الدين: وأما الولد المفضل فينبغي له الرد بعد الموت.

وقال في الفتاوى الكبرى: وإن أقبضه إياه لم يجز على الصحيح أن يختص به الموهوب له، بل يكون شريكاً بينه وبين إخوته.

وقال في المغني: ولا خلاف أنه يستحب لمن أعطي أن يساوي أخاه في عطيته. اهـ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه أن يرد ذلك في حياته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضا طاعة لله ولرسوله، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 159265.

الحالة الثانية: أن يكون والدك أذن لك في أخذ المال في حال صحته، ولكنك لم تأخذ المال إلا في مرضه المخوف, وفي هذه الحال يلزمك رد المال الذي أخذته، لأن الهبة لم تتم إلا في المرض المخوف، والهبة فيه لوارث تعتبر في حكم الوصية له وقد بينا في عدة فتاوى أن الوصية للوارث لا تمضي إلا إذا رضي الورثة بإمضائها، ويشترط لصحة رضا الوارث أن يكون بالغا رشيدا، فإذا لم يرض الورثة لزمك رد المال وقسمته بينهم القسمة الشرعية, وانظر الفتويين رقم: 170967، ورقم: 121878.

الحالة الثالثة: أن تكون أخذت المال بعد وفاته سواء أذن لك بأخذه حال صحته، أو في مرضه المخوف, وفي هذه الحال لم تتم الهبة، وما أخذته يعتبر حق الورثة، فيلزمك رده وقسمته بينهم القسمة الشرعية، ولا يمكننا بيان كيفية توزيع التركة بينكم لأنك لم تذكر لنا الوارثين من الرجال والنساء.

وننبهك أخي الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، أو مشافهة أهل العلم بها إذا لم توجد محكمة شرعية ‘ فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني