الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يقبل حديث المبتدع الثقة؟

السؤال

ما الحكم على حديث في سنده بدعي؟ حيث قرأت في موقعكم في فضل الصحابة لأحمد بن حنبل الحديث رقم: 91ـ وفي سنده شخص اسمه منصور، وعندما أظهرت بياناته ظهر لي أنه من أهل البدع! فبحثت في موقعكم عنه فوجدت أن السلف قالوا عنه إنه ثقة, ومن أتقن الناس, فهل أي بدعي ثقة نأخذ حديثه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في قبول رواية المبتدع، وقد ذهب كثير من المحققين أنه تقبل روايته إذا كان صدوقًا ولم يكن في روايته دعوة لبدعته، فقد قال الصنعاني في ثمرات النظر: رووا عن الخوارج ـ وهم أشد الناس بدعة ـ لأنهم يكفرون من يكذب فقبولهم لحصول الظن بخبرهم. اهـ.

ولما تعرض ابن الصلاح في مقدمته لمسألة الرواية عن أهل البدع قال: فمنهم من رد روايته مطلقًا، ومنهم من قبلها إذا لم يكن ممن يستحل الكذب، وقال قوم: تقبل روايته إذا لم يكن داعية، ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته، وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء، وهذا المذهب أعدلها وأولاها، والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة. اهـ.

وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيرًا في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. اهـ.

وقال الدكتور حاتم العوني في كتابه التخريج ودراسة الأسانيد: مسألة الرواية عن أهل البدع، قد اختلف فيها أهل العلم كثيرًا فمنهم من منع الرواية عن المبتدعة مطلقًا، ومنهم من قبلها عنهم مطلقًا، ومنهم من فصّل، واختلفوا أيضاً في هيئة هذا التفصيل، والراجح في رواية المبتدع أنها لا تقبل إلا بالشروط الآتية:

الشرط الأول: أن لا يكون مُكفراً ببدعته، فمن كفَّرَهُ أهل السنّة والجماعة بعينه، فهذا لا يستحق أن يذكر في زمرة المسلمين فضلاً عن أن يكون من الرواة المقبولين.

الشرط الثاني: أن لا يكون فيه سببٌ لردّ الحديث سوى البدعة، أي أن يكون معروفاً بالتقوى والورع، ومُعظماً لحرمات الدين، وضابطاً ... إلخ، فالمقصود: أن لا يكون فيه طعنٌ سوى البدعة.

الشرط الثالث: أن يكون غير معاندٍ متبع للهوى، وهي التي يُعبر عنها العلماء بقولهم: أن لا يكون داعية، وقد عبّر عنها الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بقوله: أن لا يكون معانداً ـ فعبّر بالمعاند، ولم يُعبر بمطلق الداعية، ومَنْ نقل الإجماع كابن حبان والحاكم على عدم قبول الداعية، فيغلب على الظن أنهم يقصدون الداعية المعاند الذي يتبع الهوى، فيعرف الحق ويُصرّ على الباطل استكباراً وعناداً، فهذا غير متأول، فلا نقبل روايته مطلقاً، أما المتأول فيُتساهل مع روايته دون الأول.

الشرط الرابع: أن لا يروي حديثاً منكراً يؤيد بدعته. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني