الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من فعل معصية دون أن يعلم أنها من الكبائر, وهل يقام عليه الحد؟

السؤال

من قام بفعل كبيرة، ولكنه لم يكن يعلم أن حدها القتل، فهل يقام عليه الحد أيضًا؟ مع العلم أنه كان يعلم أنها كبيرة، ولكنه لم يكن يعلم أن حدها القتل، وعندما علم أن حدها القتل من أحد أصدقائه توقف عنها, فكنت في صغري أمارس مقدمات اللواط مع أحد الأقارب، ولم يقارب عمري العشرين عامًا، ولم أكن أعلم أنها كبيرة، ولم أكن أعلم أن حدها القتل أيضًا, وعندما علمت أنها كبيرة توقفت عنها، ولكني مارست مقدمات اللواط مرة أو مرتين دون إيلاج، ولكني بعد أن اقتربت من الله ابتعدت عن مقدمات اللواط أيضًا، وتبت إلى الله توبة نصوحًا حتى أصبحت أبكي من كثرة الندم على ما فعلته، حتى وإن لم تكن كبيرة، لكني, والله وحده يعلم أنني عندما قمت بالإيلاج لم أكن أعلم كل العلم أن هذا لواط، ومن طلب مني فعل هذا فيه لم يخبرني أيضًا أنه كبيرة, ووصل بي الندم أني كلما أتذكر أني فعلت هذا دون علم أكره نفسي جدًّا لدرجة أن هناك من يوسوس لي، ويقول لي: إني أستحق القتل الآن، وأن أعمالي الآن ليست لها فائدة حتى التقرب من الله، لكني – والله - لم أكن أعلم أنها كبيرة، وعندما علمت أنها كبيرة ابتعدت تمامًا عن ذلك حتى أني بعدها بفترة ابتعدت أيضًا عن أي ملامسة محرمة، مع العلم أن الله ابتلاني بمرض نسبة الشفاء فيه 50% وتوقعت أنه عقاب من الله في الدنيا، وأصبحت مهددًا لمدة ثلاث سنوات بهذا المرض إلى أن شفاني الله منه - والحمد لله - وبعدها أصبحت أستحيي من الله أنه شفاني رغم ما فعلت, إن حالتي النفسية مدمرة جدًّا، وأريد منكم أن تطمئنوني في أقرب وقت, فكم أنا نادم من ذلك, ولكن الندم وحده لا يكفي, وقد قال لي أحدهم: إن أكبر دليل على أن الله تاب عن الذي يقوم بأي معصية أنه أوقفه عن فعلها وستره, وفي إحدى الليالي راودني حلم بأني أسير في نهر تفوح منه رائحة جميلة جدًّا، يسير في روضة غاية في الجمال، ومعي رجال يلبسون ثيابًا بيضًا, وسألتهم أين نحن ذاهبون؟ قالوا: إننا داخلون الجنة بغير حساب، لكن الذين يمشون هناك سيدخلونها بحساب، فاستيقظت من نومي لأصلي ركعتين شكرًا لله على هذا الحلم، فوجدت دمعي يسبقني على السجادة بغزارة وأنا واقف، ولا أعلم السبب, لكني كنت مرتاحًا وأنا أبكي, فهل هذا دليل على شيء؟ وقبل أن أختم أود أن أخبركم ثانية أني - والله العظيم - لم أكن أعلم أنه لواط، وأني لم أكن أعلم هول هذا الشيء، والحمد الله أنه ساعدني على الابتعاد عن مقدماته, وأرجو من الله أن أجد عندكم ما يريح عقلي، ويبرد قلبي، ويعطيني أملًا في كل يوم أعيشه على عكس ما أنا عليه, وفي النهاية استحلفكم بالله أن تدعو لي أن يهديني الله, وأن يريح قلبي، ويبعدني عن معصيته ويريح بالي - جزاكم الله كل خير -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يهديك لأرشد أمرك، ثم اعلم أن من تاب إلى الله توبة نصوحًا، وندم على ما اقترف من الذنب، تقبل الله سبحانه توبته، وأقال عثرته, وصار كمن لم يذنب أصلًا, كما قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه, وحسنه الألباني.

فإذا كنت ندمت على هذا الفعل القبيح - كما يظهر من سؤالك - فإن ندمك هذا توبة مقبولة - إن شاء الله - كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وصححه الألباني.

فهوّن عليك، وافرح بتوبة الله عليك، واحمده على منته بهدايتك، وسر في طريق الاستقامة, محافظًا على طاعة الله، مبتعدًا عما يسخطه، حريصًا على صحبة الصالحين، مبتعدا عن صحبة العصاة الغاوين,. وسواء كنت تعلم أن هذا الذنب كبيرة أو لا؛ فإن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها؛ قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

وأما رؤياك فهي رؤيا خير - إن شاء الله -.

وأما الحد فلا يقيمه إلا السلطان أو نائبه, كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 178653.

وحتى لو وجد السلطان الذي يقيم الحدود، فالأولى لمن ارتكب ما يوجب الحد أن يستتر بستر الله، وأن يقبل عافية الله، وألا يرفع أمره إلى السلطان، ويتوب فيما بينه وبين ربه فمن تاب تاب الله عليه, وانظر الفتوى رقم: 208552.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني