الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانصراف عن الأمر بسبب كلام الكهنة يدل على تصديقهم

السؤال

سألت كاهنًا عن وظيفة قدّمت لها, فأخبرني ألا أقدم عليها, وأن أتركها وأبحث عن أخرى, فتبت وتشهدت, ولكن كلام الكاهن ما زال يدور في رأسي, وانتابني القلق والتفكير, ونفسي تقول لي: ما دمت قلقًّا فأنت ما زلت تصدقه, وأنت كافر, وبدأت أقول لأهلي في البيت: أنا لا أريد هذه الوظيفة, وسأبحث عن أخرى أفضل, فهل ما زلت بذلك أصدقه, وما زلت كافرًا؟ لا أعلم سبب الخوف بالضبط, وهل تلزمني توبة وشهادة مرة أخرى؟ وهل تصح التوبة من الأشياء التي لا أعلمها أو شككت في حكمها - كالحكم الذي سألتكم عنه أعلاه -؟ وإذا تبت فقط ولم أسأل فهل تصح التوبة؟ وإذا لم أسأل عن الحكم, وشككت أنه يخرج من الملة فهل أكفر لأنني لم أسأل, وإذا قلت فقط: أستغفر الله وأتوب إليه, وندمت, فهل يعفو الله عني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فلا شك في حرمة الذهاب إلى الكاهن وسؤاله, فعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تطير، أو تُطير له، أو تكهن, أو تُكهن له، أو سحر، أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنُزل على محمد. رواه البزار بسند جيد.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: من أتى عرافًا، أو ساحرًا، أو كاهنًا فسأله فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أبو يعلى والبزار، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي.
وقد بينا في الفتوى رقم: 178191 متى يكون الذهاب إليهم كفرًا أكبر, ومتى يكون دون ذلك.

والواجب عليك - أيها السائل - التوبة إلى الله تعالى من ذهابك إليهم وسؤالهم, ولا شك أن رفضك التقدم لتلك الوظيفة بسبب أمره لك بذلك يدل على تصديقك له, وتأثر قلبك بكلامه, وإذا كان من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد, فإن من رده كلام الكاهن عن حاجته أقرب إلى الشرك؛ فاتق الله تعالى, ولا تجعل لكلام الكهان على قلبك سبيلًا, وامض وتقدم لتلك الوظيفة, لعل أن يكون فيها الخير لك.

وقصتك تذكرنا بما جاء في كتب التواريخ أن المعتصم لما أراد فتح عمورية حكم المنّجمون أنّ ذلك طالَع نَحْس، وأنّه سيهزم، فكذّب المنجمين وفتحها المعتصم وقتل ثلاثين ألفًا, وأسر ثلاثين ألفًا من الروم, وكان خيرًا عظيمًا للمسلمين, فقال الشاعر أبو تمام في ذلك قصيدته المشهورة التي أولها:

السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ.

وكان مما قال فيها ردًّا على المنجمين:

أَيْنَ الروايَةُ؟ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ؟
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقةً لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولا غَرَبِ
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلةً عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَةٍ إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ.

فاستخر الله تعالى وامض - أيها السائل - لما تريد, وتقدم لتلك الوظيفة, ودع عنك قول العرافين, فإنهم ليسوا على شيء من الحق.
وقولك: " قلت فقط: أستغفر الله وأتوب إليه, وندمت, فهل يعفو الله عني؟" فالجواب: نعم - إن شاء الله تعالى - فإنك إذا ندمت واستغفرت غفر الله لك, والندم توبة كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, وانظر الفتوى رقم: 132954 عن شرط قبول التوبة من تصديق السحرة والعرافين, والفتوى رقم: 76180 عن التوبة من إتيان العرافين وسؤالهم, والفتوى رقم: 71777 عن كفارة من ذهب إلى العرافين والسحرة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني