الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مخاطبة السحاب والمطر والقبر.. بين المنع والإباحة

السؤال

كثيرًا ما أرى كتابات من خواطر أو قصائد بها نوع من الاستغاثة بالمخلوق مثل قول: (يا سحاب أمطر, واغسل ما بي من حزن) أو كمثل قول: (ليت الليالي علمتني بالأقدار ... كان ابتعدت وزال عني خطرها ) أو ما شابه, والقصائد كمثل: (يا قبر أعز إنسان غالي سكن فيك ... خفف عليه من التراب الثقيل) وهذا شطر من قصيدة طويلة, وكأنهم يخاطبون السحاب أو المطر أو القبر, فأنا لا أرتاح لمثل هذه الأقوال, وأشعر أن فيها تعلقًا بغير الله, فأفيدونا - جزاكم الله خيرًا - وكيف أنصح من يقول مثل هذه الأقوال؟ ومن لا يقتنعون يقولون إنها مجرد خواطر لا أكثر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فلا شك في أنه لا تجوز الاستغاثة بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله, كما بيناه في الفتوى رقم: 112285 وما أحالت عليه من فتاوى.

ولكن قد يجري على ألسنة الناس بعض الألفاظ التي لا يراد بها حقيقة ظاهرها مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي قال: لا أزيد على هذا ولا أنقص, فقال عليه الصلاة والسلام: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ. فظاهر اللفظ أنه أقسم بأبيه, ولكنه لم يرد حقيقة الحلف, وإنما كانت كلمة تجري على الألسن.

قال الإمام النووي: لَيْسَ هُوَ حَلِفًا, إِنَّمَا هُوَ كَلِمَة جَرَتْ عَادَة الْعَرَب أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الْحَلِفِ, وَالنَّهْي إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَة الْحَلِف لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَام الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى, فَهَذَا هُوَ الْجَوَاب الْمَرْضِيُّ. اهــ
ومن ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ثكلتك أمك, وقوله صلى الله عليه وسلم لصفية: عَقْرَى حَلْقَى. ولم يرد حقيقة الدعاء؛ وإنما كلمة تجري على الألسن.
وما ذكرته عن بعض الشعراء من مخاطبة السحاب أو المطر والقبر يدخل في هذا فيما يظهر, فإنهم لا يريدون به حقيقة الاستغاثة, ومن ذلك قول الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -:

أَمطِري لُؤلُؤاً جِبالَ سَرَنديـ ... بَ وَفيضي آبار تَكرورَ تِبرا

أَنا إِن عِشتُ لَستُ أَعدَمُ قوتاً.....وَإِذا مُتُّ لَستُ أَعدَمُ قَبرا

هِمَّتي هِمَّةُ المُلوكِ وَنَفسي ... نَفسُ حُرٍّ تَرى المَذَلَّةَ كُفرا .

ومن المعلوم قطعًا أنه لا يريد الاستغاثة بالجبال أن تخرج له اللؤلؤ, وقد نص العلماء على أن نداء الأموات والجمادات والغائب إنما يمنعونه بشرطين, قال العلامة السَّهسواني في صيانة الإِنسان عن وسوسة الشيخ دحلان:
المانعون لنداء الميت، والجماد، وكذا الغائب إنما يمنعونه بشرطين:
(الأول): أن يكون النداء حقيقياً لا مجازياً.
و(الثاني): أن يقصد ويطلب به من المنادى ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع، وكشف الضر ... إلخ .
وقال أيضًا - رحمه الله -: إنما نكفر بالنداء الحقيقي الذي يطلب فيه من الأموات، والجمادات ما لا يقدر عليه إلا الله. انتهى.
وقال أيضًا: دلالة ما جاء من الآثار على جواز نداء الأموات والجمادات نداء حقيقياً بحيث يطلب فيه منهم ما لا يقدر عليه إلا الله ممنوعة، ومن يدعي فعليه البيان، وأما مطلق النداء فلا يمنعه أحد. اهــ
والخلاصة أن ما كان من تلك الألفاظ لا يراد بها حقيقة الاستغاثة فإنه لا حرج فيها, ولعل البعد عن استخدامها أفضل إذا خُشِيَ أن تجُرَّ الناسَ إلى اعتقاد باطل.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني