الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الراتب عن فترة إجازة مرضية غير مستحقة

السؤال

المشايخ الفضلاء في هذا الموقع الموقر، الذي يعد واحدا من أروع منابر الهدى والتبصير، وأرفع منارات العلم والفقه. أرجو منكم التكرم بالرد على تساؤلاتي التالية ذاتها، والتفضل بعدم إحالتي لفتاوى سابقة مشابهة؛ لما أرى لها من خصوصية:
أنا أعمل في شركة كبيرة في مجال النفط والغاز في بلدي اليمن، أطلب الفتوى في مسألة سببت لي شيئا من تأنيب الضمير، وذلك لإحساسي بأني أخذت إجازة مرضية فوق حاجتي، فقد كانت إجازتي المرضية لأسبوعين عند ظهور مرض ارتفاع ضغط الدم والسكري، ثم عملت على تمديد تلك الإجازة تدريجيا حتى وصلت إلى شهرين، ولكنه لم يكن بالتزوير أو الرشوة، أو من مؤسسة طبية غير معتمدة، وإنما من الطبيب المختص في المؤسسة الطبية المعتمد، والمطلع على حالتي من خلال ملفي الطبي، وما أريد توضيحه هو أنه لو لم أطلب أنا تمديد الإجازة، وتبرير طلبي بما سببه لي مرض السكر والضغط من قلق، واضطراب نفسي (ولا أخفيكم أني كنت أبالغ في وصف قلقي واضطرابي) لما قرر الطبيب تمديد الإجازة، خاصة وقد اطلع من خلال ملفي الطبي بأني مررت بحالة نفسية من اكتئاب حاد قبل خمس سنوات، جلست فيها أربعة أشهر حبيس البيت، والمشفى النفسي قبل أن يمن الله علي بالشفاء.
كما ذكرت أن تمديد الطبيب المختص لإجازتي المرضية إلى شهرين كان بطلب مني، وبتبرير مبالغ فيه، وأكاد أجزم بأن الطبيب الإداري في شركة التأمين الطبية صادق على تلك الإجازة الطويلة، ليس لكون المرض الحالي يحتاج لراحة طويلة كهذه، ولكن يبدو أنه من باب التعاطف معي لما أبديه من قلق واضطراب( أكرر أني كنت أبالغ) ولكونه مطلعا تماما على مرضي النفسي القديم ربما حرصا منه على استقرار نفسيتي، وخوفا علي من انتكاسة نفسية.
سؤالي هنا هو: هل مبالغتي في وصف قلقي، وخوفي من إصابتي بالضغط والسكر، والذي دفع الطبيب إلى قبول طلبي تمديد الإجازة الطبية، يدخل في باب الاحتيال؟
 إن كان الجواب "نعم" فماذا أفعل لإبراء ذمتي مما كسبته من رواتب "بالاحتيال" وأنا لا أستطيع رد ذلك إلى إدارة الشركة نظرا لما قد يترتب عليه اعترافي بالتحايل من حرج شديد، وضرر كبير على سمعتي، ووظيفتي خاصة وأنا قيادي بارز في نقابة عمال الشركة يتوقع منه أن يكون قدوة للعمال.
وفيما يتصل بسؤالي السابق، أريد أن أشير إلى أن إدارة الشركة لا تنفذ قانون العمل لبلدنا فيما يتعلق بعدد ساعات العمل، والذي ينص في إحدى مواده على أن عدد ساعات العمل ثمان ساعات في اليوم، وما تعداها يعوض العامل عنها بأجر إضافي الساعة بساعة ونصف، ويستحق العامل التعويض بأجر إضافي الساعة بساعتين عن العمل يوم الجمعة، وكذلك في الأعياد والعطل الرسمية.
ونحن نعمل في موقع الشركة النائي (مفارقين لبيوتنا وعائلاتنا) بنظام التناوب (أربعة أسابيع عمل مقابل أربعة أسابيع إجازة) براتب شهري ثابت القدر، سواء كنا في مناوبة أو راحة، ونعمل أثناء المناوبة اثنى عشرة ساعة في اليوم بما فيها الجمعة حتى وإن صادفت مناوبتنا أعيادا، أو عطلا رسمية لا نحصل على أي تعويض مقابل ذلك.
وقد طالبت نقابة عمال الشركة بذلك الحق المكفول بالقانون، فرفضت إدارة الشركة ذلك الحق بحجة أن عقود العمل بينها وبين العاملين قد نصت على أن عدد ساعات العمل في الموقع اثنى عشرة ساعة في اليوم لمدة أربعة أسابيع متصلة، يقابلها أربعة أسابيع راحة(وهو كذلك)، غير أنها زعمت أن أسابيع الراحة الأربعة تعتبر تعويضا عن الساعات العمل الأربع الزائدة يوميا، وعن العمل أيام الجمع، والأعياد والعطل الرسمية أثناء أسابيع المناوبة الأربعة، ولكن هذا مجرد زعم ولم تنص عليه صراحة، ولا إشارة عقود العمل.
ثم لما وهت هذه الحجة أتت الإدارة بحجة أوهى، فزعمت أن ساعات العمل الأربع الإضافية، والعمل أيام الجمع، والعطلات قد احتسبت وعوضت ضمنا حيث احتواها الراتب الأساسي العالي، ولكن ذلك أيضا لم ينص عليه في عقود العمل لا من قريب ولا من بعيد.
والشركة مازالت ترفض ما نطالب به من أجر إضافي عما زاد عن ثمان ساعات في اليوم، وعن أيام الجمع، والعطلات الرسمية أثناء مناوبتنا في الموقع بالرغم من استصدار النقابة لفتوى قانونية من وزارة العمل تؤكد استحقاقنا لذلك استنادا للقانون، مع العلم أن بعض الشركات النفطية التي تعمل بنظام التناوب هذا تنفذ القانون، فتعوض من يعمل من موظفيها بهذا النظام بأجر إضافي بحسب القانون.
وسؤالي هنا: هل يصح لي الأخذ بما سماه الفقهاء "الظفر بالحق المغصوب" باعتبار ما حصلت عليه بالتحايل من إجازة مرضية فوق حاجتي (إن حكمتم عليه بأنه تحايل)  جزء من حقي المكفول بالقانون وبالعرف (لدى بعض الشركات) الذي تمنعه عني وعن زملائي الشركة التي نعمل بها؟        
أفيدوني بارك الله فيكم، واعذزوني أيها الفضلاء على الإطالة في التفصيل الذي ما أردت منه إلا مزيدا من الإيضاح للصورة، كي تكون الإجابة أشفى. وجزاكم الله كل الخير على ما تقدمونه للمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا نستطيع الجزم بأن الطبيب قد مد لك الإجازة بسبب مبالغتك في وصف حالتك، وإنما قد يكون بسبب اطلاعه على ملفك الطبي ومرضك القديم، ورغبته في الاحتياط لك دون كبير التفات منه إلى مبالغتك, وهذا هو المتبادر.
وعموما، فإن كنت قد تعمدت المبالغة لأجل ذلك، فهذا من التحايل والغش. وقال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا. رواه مسلم.
أما إن كانت مبالغتك قد حدثت منك عفوا تحت ظرف نفسي سيئ، ولم تتعمدها، فنرجو ألا يكون عليك إثم إن شاء الله؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وحسنه النووي.
وقال الله جل وعلا: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا .[البقرة:286].
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال:قد فعلت. رواه مسلم عن سعيد بن جبير .
وعلى كلا التقديرين فإن تحققت أن الطبيب قد مد لك الإجازة بسبب مبالغتك، وأنك لا تستحقها لولا مبالغتك على خلاف الواقع، فعليك أن ترد إلى الشركة دخلك منها عن تلك الفترة الزائدة من الإجازة؛ حيث تبين لك أنها ليست من حقك، ويكفي رد المال تحت أي مسمى ولو بطريق غير مباشر دون إعلام الشركة بحقيقة الأمر. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. أخرجه الترمذي.
وأما بخصوص التعويض عن ساعات العمل الإضافية، فإن كانت تلك الشركة لا تخضع للقانون المذكور وإنما ينظم العمل بها طبقا للوائحها الخاصة بها، فلا يصح الاعتماد على ذلك القانون في إثبات حقكم. أما إن كانت الشركة تخضع لذلك القانون، وثبت أن الشركة تماطلكم في حقكم، ولم تستطيعوا الحصول عليه بالطرق المعتادة، فحينئذ يحق لك أن تأخذه بطريق الظفر، ومن ذلك احتساب دخلك عن مدة الإجازة الزائدة من حقكم الذي تماطلكم فيه الشركة. وقد سبق في الفتوى رقم: 28871 بيان مذاهب العلماء في مسألة الطفر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني