الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البعد عن السبب الجالب للوساوس خير من تعاطيه

السؤال

كنت أود التنويه على أمر ضروري في بعض الفتاوى بخصوص مرض الوسواس القهري، وهو تنويه أشبه بالسؤال لذا أنتظر الرد المفصل منكم: وجدت بعض الأسئلة على موقعكم والتي يسأل أصحابها عن وساوس كفرية تلح عليهم وتعكر عليهم حياتهم فحين يرتكبون معصية معينة مثل معصية الاستمناء تترافق معها تلك الوساوس القهرية الكفرية ويشعرون بالذنب ويشعرون وكأنها السبب في حصول هذه الوساوس لأنهم فعلوا تلك المعصية.. فيسألكم السائل هل يحاسب على فعل المعصية فقط؟ أم فعل المعصية وما يترافق معه من وساوس كفرية مثلما ورد في السؤال رقم: 2232749، ومن خلال تجربتي مع الوسواس القهري وكان أيضا في نطاق الوساوس الكفرية مررت بتجربه أحب أن أسردها على حضرتكم، فكثيرا ما كان الشيطان يحاول أن يربط بين فعلي للمعاصي وبين حصول الوساوس وزيادتها حتى وصل بي الأمر إلى أنني إذا أكثرت من الطعام تنتابني موجة من الوساوس لا تنتهي حتى أقلع عن الأكل.. ويكفي هذا كمثال لما كان يحدث معي.. فكانت حياتي عذابا لا يطاق، فمن منا يخلو من المعاصي؟ حتى ألهمني الله سبحانه وتعالى في يوم وأنا آكل بعض الطعام حين أحسست أنني أسرفت قليلا في الأكل أراد الوسواس أن يهاجمني كعادته، ولكنني بفضل الله قذف الله في قلبي وقلت لنفسي الله أعظم وأكبر من أن يساء إليه بوساوس أو غيرها، لأنني أسرفت في الطعام أو بسبب اقترافي لأي ذنب.. وأقنعت نفسي أنه لا ذنب علي في حدوث وساوس حين الإسراف في الطعام وإن كان هناك ذنب فهو الإسراف فقط، وهذا هين مع مغفرة الله ورحمته وكان بفضل الله لهذه الفكرة مفعول السحر في إبطال الوسواس فكأنه اختفى مرة واحده فصرت أقنع نفسي مع أي معصية أفعلها ويترافق معها وساوس أن الله لا يؤاخذني بتلك الوساوس وإنما فقط على فعل المعاصي التي قد أتوب منها، ذلك لأن الشيطان كان يلعب على وتر الإحساس بالذنب والتوتر والخوف من كوني سببا في حدوث الوساوس القهرية الكفرية، وهذا ما يجعلها تزيد وتتكاثر ولا أخفيك أنها أحيانا تكون كالشلال فوق الرأس، فأراد الشيطان أن يأتي بحيلة أخرى عند الذنوب الكبيرة مثل الاستمناء وغيرها فيقول لي هذا الذنب كبير فإذا ترافق معه وساوس فأنت مسئول عن تلك الوساوس، فأقول له سواء كانت المعصية كبيرة أم صغيرة فإنني على نفس الاعتقاد ولن أغيره فكل المعاصي عند الله صغيرة عند التوبة، وضعت لنفسي قانونا أسير عليه في هذا الأمر فقلت إن الكفر لا يحصل ولا يكون الإنسان سببا فيه إلا إذا قصده وذهب إليه مختارا على مهل وانشرح به صدره.. وأما غير ذلك فإنني بريء من الكفر لا يؤاخذني الله به مهما كان من وساوس ومهما كانت المعاصي... وأستعيذ بالله من الشيطان امتثالا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومثلي مثل أي إنسان مؤمن عاقل راشد إذا فعل ذنبا يستغفر منه ويتوب وينتهي الأمر، أليس ما ذهبت إليه هو الصواب؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على اهتمامك بنفع إخوانك المسلمين وحبك الخير لهم، ونسأل الله سبحانه أن يديم عليك نعمته ويصرف عنك وعن إخوانك وساوس الشيطان، وما فعلته من الاستعاذة من الوساوس ودفعها عنك عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، لا شك أنه صواب، كما أن العاصي إنما يؤاخذ بمعاصيه لا بالوساوس المصاحبة لها، وأما الفتوى رقم: 122988، والتي أشرت إليها في سؤالك فجوابنا فيها كان صريحا أن السائل ليس مؤاخذا بتلك الوساوس ما لم يترتب عليها قول أو عمل، وأن كراهيته لهذه الأفكار الكفرية دليل إيمان.
وأما قولنا بأن زيادة الوساوس بسبب الاستمناء يؤكد وجوب البعد عنه، فإنما أردنا به سد باب الوساوس ابتداء، فالوقاية خير من العلاج، والبعد عن السبب الجالب للوساوس لا شك أنه خير من تعاطيه، ثم الانشغال بدفع الوساوس الحادثة بسببه بعد ذلك، لاسيما مع كون ذلك السبب محرما والانتهاء عنه واجب عموما، ولم نقصد أنه يحاسب حينئذ على تلك الوساوس، وعموما فنحن نشكر لك حب الخير ونفع الناس والنصح لهم، ونوصيك بالثبات على رد تلك الوساوس والاستعاذة بالله منها، واستحضار الفصل بين ذنب المعصية وبين المؤاخذة بالوساوس كما تفعل، هذا مع وجوب التوبة عن المعاصي كلها، وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 137177، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني