الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلاق من يجهل وقوعه بلفظه الصريح

السؤال

شيخنا الفاضل: في بلدنا يعتبرون أن مسألة الطلاق لا تقع إلا عند فسخ العقد المدني... وترى الرجل يتلفظ بألفاظ منها الصريح ومنها الكناية، فهل يقع طلاقهم؟ وهل يعذرون بجهلهم؟ وعندما قلت لهم إنه يقع بمجرد اللفظ الصريح قالوا الله يعلم النية، وكل هذا هراء وكلام فارغ وتنطع في الدين، وبارك الله في علمكم ونفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التلفظ بصريح الطلاق يقع به الطلاق، ولا يفتقر إلى نية إيقاع الطلاق به، عند عامة العلماء، قال الخطابي: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول كنت لاعبا أو هازلا أو لم أنو به طلاقا أو ما أشبه ذلك من الأمور، واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا {البقرة: 231} وقال: لو أطلق للناس ذلك لتعطلت الأحكام ولم يشأ مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال أحكام الله سبحانه وتعالى، وذلك غير جائز، فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه، ولم يقبل منه أن يدعي خلافه، وذلك تأكيد لأمر الفروج واحتياط له. اهـ.

وفي المغني لابن قدامة: وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه ـ نواه، أو لم ينوه ـ قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك، ولأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحاً فيه، كالبيع، وسواء قصد المزح، أو الجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة ـ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن ـ قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء. انتهى.

وعلى هذا، فإن الجهل بوقوع الطلاق بلفظه الصريح لا يمنع وقوعه، وثم قول آخر شاذ بأن الطلاق بصريح لفظه لا يقع إلا بنية إيقاع الطلاق، وفي الإنصاف للمرداوي: قوله: فمتى أتى بصريح الطلاق: وقع، نواه، أو لم ينوه ـ أما إذا نواه: فلا نزاع في الوقوع، وأما إذا لم ينوه: فالصحيح من المذهب ونص عليه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وعليه الأصحاب أنه يقع مطلقا، وعنه: لا يقع إلا بنية، أو قرينة غضب، أو سؤالها ونحوه. اهـ.

وقد بينا ضعف هذا القول، وذلك في الفتوى رقم: 153577.

وعلى قول عامة العلماء بوقوع الطلاق بالتلفظ بصريحه دون قصد إيقاع الطلاق، فإن الجهل بوقوع الطلاق بلفظه الصريح لا يمنع وقوعه، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 131941.

ومن القوانين الباطلة المخالفة للشرع قصر وقوع الطلاق على فسخ العقد المدني، ولا يؤثر هذا القانون في وقوع الطلاق شرعا إذا أوقعه الزوج دون فسخ للعقد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني