الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أحرم بالحج ولم يلبس ملابس الإحرام ثم رجع إلى بلده قبل دخول مكة

السؤال

أنا مقيم بأبها، ونويت الحج هذا العام، وذهبت إلى ميقات يلملم ونويت الحج وقلت: لبيك حجا ـ لكنني لم ألبس الإحرام حتى أتمكن من الذهاب إلى مكة دون تصريح، ثم اتجهت إلى مكة وقبل أن أصل تلقيت اتصالا من صديق من مكة ينصحني أن لا أخاطر، لأنهم متشددون جدا في التفتيش، فقررت ألا أخاطر وقمت بالعودة مرة أخري، فهل علي دم أم لا؟ وهل يجوز أصلا أن أنوي الحج دون لبس الإحرام؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإحرام بالحج أو العمرة ينعقد بمجرد النية، وهي قصد الدخول في النسك، ولا تشترط التلبية ولا ارتداء ثياب الإحرام، جاء في المجموع للنووي الشافعي: فالإحرام هو النية بالقلب، وهي قصد الدخول في الحج أو العمرة أو كليهما، هكذا صرح به البندنيجي والأصحاب، وأما اللفظ بذلك: فمستحب لتوكيد ما في القلب. انتهى.

وقال الدردير المالكي في الشرح الكبير: ثم الراجح أن الإحرام هو النية فقط. انتهى.

قال الدسوقي في حاشيته: قوله: هو النية فقط ـ أي بأن ينوي في قلبه الدخول في حرمات الحج، أو العمرة، أو هما، وأما التلبية والتجرد فكل منهما واجب على حدته. انتهى.

وجاء في الشرح الكبير لابن قدامة الحنبلي: وينوي الإحرام بقلبه ولا ينعقد إلا بالنية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات ـ ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة، فإن لبى من غير نية لم يصر محرماً، لما ذكرنا، وإن اقتصر على النية كفاه ذلك، وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بمجرد النية حتى يضاف إليها التلبية أو سوق الهدي. انتهى.

وبناء على ما سبق، فإذا كنت قد نويت الحج من يلملم, فقد انعقد حجك, وإحرامك للحج مع لبس المخيط وعدم ارتداء ثياب الإحرام جائز, لكن تترتب عليه فدية, جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان الواقع كما ذكر فحجك صحيح ولا إثم عليك في لبسك ملابس غير ملابس الإحرام، دفعا للحرج عن نفسك، ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم، ولا تأكل منها، أو تصوم ثلاثة أيام، أي ذلك فعلت أجزأك، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك. انتهى.

ومادمت لم تتمكن من أداء الحج لعدم توفر تصريح بالحج, فأنت الآن باق على إحرامك حتى تذهب إلى مكة ثم تتحلل بعمرة, وتنحر هديا, وتجزئك شاة, فإن عجزت عن الهدي صمت عشرة أيام عند بعض أهل العلم, جاء في المغني لابن قدامة متحدثا عن الإحصار في الحج: ويجزئه أدنى الهدي، وهو شاة، أو سبع بدنة، لقوله تعالى: فما استيسر من الهدي {البقرة: 196} وله نحره في موضع حصره، من حل أو حرم، نص عليه أحمد، وهو قول مالك، والشافعي.

وقال أيضا: وجملة ذلك أن المحصر، إذا عجز عن الهدي، انتقل إلى صوم عشرة أيام، ثم حل، وبهذا قال الشافعي، في أحد قوليه، وقال مالك، وأبو حنيفة: ليس له بدل، لأنه لم يذكر في القرآن، ولنا، أنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل، كدم التمتع والطيب واللباس، وترك النص عليه لا يمنع قياسه على غيره في ذلك، ويتعين الانتقال إلى صيام عشرة أيام كبدل هدي التمتع، وليس له أن يتحلل إلا بعد الصيام، كما لا يتحلل واجد الهدي إلا بنحره. انتهى.

ويجب عليك قضاء الحج في السنة القادمة, عند جمهور أهل العلم, وقد رجح بعضهم عدم وجوب القضاء، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 130585.

وبخصوص ما أقدمتَ عليه من محظورات الإحرام قبل التحلل بالعمرة: فما كان منه من قبيل الإتلاف ـ كقص الشعر وتقليم الأظافر ـ ففي كل جنس منه فدية واحدة، والفدية هي: شاة تذبح بمكة وتوزع على المساكين هناك، أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع من طعام، على ستة مساكين، وما كان من قبيل الترفه كلبس المخيط، واستعمال الطيب: فلا شيء فيه إذا كنت جاهلا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 14023.

وإن حصل منك جماع جهلا، فلا يفسد حجك عند كثير من أهل العلم، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 15047.

وراجع المزيد في الفتوى رقم: 126303.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني