الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإجابة عن بعض النقاط الواردة في حوار حول أحداث مصر

السؤال

كتب أحد الإخوة ردًّا على نقاش جرى حول ما يدور في مصر: فمما قال: "ولكني أحب أن أرى أهلَ الدين للدين, وأهل السياسة للسياسة التي لا تعرف القيم, ولا تعرف الدين" ويلاحظ من قوله دعوته لترك الأمور على ما هي عليه, وذكرت مستنكرًا في حديثي معه أن أحد خطباء المساجد قال: (الحمد لله, نحن في مصر نطبق الشريعة في بيوتنا), فقلت: أي شريعة؟ فقال: أما الشيخ الذي قال: الحمد لله أننا نطبق الشريعة في بيوتنا, فله كل الشكر, أليس من المعلوم لدينا أن الكثير ينادي بأن نبدأ بأنفسنا أولًا؟ وقد بدأ الشيخ, فلنتبع خطاه؛ كي تطبق الشريعة في ربوع الدنيا, وجزاه الله خيرًا, ولا يخفى على أحد حال أهل مصر, والحال يزداد سوءًا, وقد كان الخاطب لا يرى خطيبته إلا يوم زفافهما في بيته, ورغم هذا تدهور الحال, فهل ننتظر الآن رجوعًا إلى شريعة الله في ظل العري والفجور؟ فقال صاحبي: الشعب المصري طيب بطبيعته, وقلبه حنون, ويعرف الله, ويصلي, ويصوم, وليس في حاجة لمن يرشده, فلقد سئم الناس الخطاب الديني الموحد؛ لأنه نمط واحد, وأسلوب واحد, وإذا كثر المشايخ, والفقهاء, وأصحاب الفتوى, فقل: "على الدنيا السلام", فمن شب على شيء شاب عليه, ومهما حاول الكثير أن يدخل معتقدًا, أو يغير فكر شخص آخر فلن يقدر, والحمد لله أننا أدركنا أخيرًا بعد تلك الأحداث التي تمر بها البلاد أن الصراع كله – الماضي, والحاضر, وما سيحدث - ما هو إلا "سمك, ولبن, وتمر هندي"؛ لذا أغلقنا التلفاز, وأغلقنا أبواب بيوتنا, ولا نريد أي ضيف ثقيل, يعكر علينا؛ كي نتفرغ لبيوتنا, فذلك أهم من تلك الأحداث المؤسفة, ودع الملك للمالك, والخلاصة - كما قال القدماء -: "إن خرب بيت أبيك فخد منه قالبًا" ونحن لا نريد القالب, فنحن الآن لا نرى, ولا نسمع, ولا نتكلم, لماذا؟ لا أعرف, فما رأي حضراتكم؟ هل هي دعوة إلى العلمانية عن عمد أو جهالة؟ وهل يأثم إن تأثر بكلامه أحد؟ والبعض يفسر أحاديث رسول الله حسب هواه, بل القرآن الكريم, وقد سبق أن أفتيتم بعدم جواز ذلك, فما هو التصرف الواجب - جزاكم الله خيرًا -؟

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهناك عدة مسائل, ومبادئ إذا تم تقريرها, ومعرفة وجه الصواب فيها، صار من السهل معرفة وجه الخلل في هذا الحوار الذي ذكره السائل, ومعرفة جواب ما سأل عنه، وهذه المسائل هي:
• علاقة الدين بالحياة، من كافة نواحيها - السياسة, والاقتصادية, والاجتماعية, والعسكرية, والثقافية ... إلى غير ذلك من مناحي الحياة - فدين الله تعالى, وشريعته, منهج متكامل للحياة الإنسانية، من ناحية العموم, والكليات, والقواعد الجامعة لأصول هذه المظاهر للحياة, وما يمثله ذلك من أسس للتلقي والاستدلال، هذا بالإضافة إلى التفاصيل الشرعية الثابتة في المسائل والأحوال الفرعية, وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 9263، 61536، 103335، 5490, وراجع للفائدة عن مقولة: "دع الملك للمالك" الفتوى رقم: 116061.

وراجع لمعرفة مباينة نظام الحكم الإسلامي للنظم الديمقراطية الفتويين: 190837، 10238.

• الدين ليس في أحكامه ومسائله مهم وغير مهم، وإنما فيه مهم وأهم، فالتفصيل فيه للمراتب والدرجات والأولويات، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 24491.

• هذا الدين قائم على النصيحة لله, ولكتابه, ولرسوله، والنصح لكل مسلم، مع اختلاف المراتب، وكل مجتمع في حاجة إلى من يقوم بهذا الواجب، ويذكره بالله تعالى، والذكرى تنفع المؤمنين, وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3058، 214522، 200473.

• تنويع الخطاب الدعوي, ومراعاة الواقع, وحال المخاطب، أمر مهم لقبول الدعوة, والانتفاع بها, والتذكير بالله, والأمر بالمعروف, والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة, والموعظة الحسنة, والمجادلة بالتي هي أحسن: يترتب عليها خير عظيم في تصحيح العقائد, وتعديل التصورات، واجتناب المنكرات, وزيادة الخيرات, والمؤمن الذي يخالط الناس, ويصبر على آذاهم, خير من الذي لا يخالط الناس, ولا يصبر على أذاهم, وراجع الفتاوى التالي أرقامها: 5197، 55404، 194605، 45802.

• الكلام في الدين ليس حكرًا على أحد، وليس في الإسلام كهنوت، ولكن في الوقت نفسه لا يحل لغير المتأهل في شيء منه أن يتكلم فيه, وراجع الفتويين: 123565، 204208.

• من دعا إلى هدى شارك مَن تابعه في الثواب، وكذلك من دعا إلى ضلالة شاركهم في الإثم, وراجع الفتويين: 28202، 29016.

• الصراع بأنواعه بين الخير والشر, والحق والباطل يدخل في المدافعة المذكورة في قوله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 251] وقوله عز وجل: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40] وراجع الفتوى رقم: 211564.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني