الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلط قطع ـ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اؤتمنت المخزومية على متاع فجحدته ـ وهذه هي الخيانة ـ أمر أن تقطع يدها، فكيف يقول لا تقطع يد الخائن ثم يأمر بقطع يد المخزومية؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في قطع يد جاحد العارية، فمنهم من ذهب إلى عدم القطع، لعموم حديث: ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع. رواه أحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وهؤلاء أجابوا عن حديث المرأة المخزومية بأنها كانت معروفة بجحد المتاع، فذكرت في الحديث بهذا الوصف للتعريف بها فقط، لا لأن هذا كان سبب القطع في تلك الحادثة، ومن أهل العلم من قال بقطع يد جاحد الوديعة، مستدلا بظاهر حديث المرأة المخزومية، وأجاب عن الحديث الأول في عدم قطع الخائن بأنه عام مخصوص بجاحد العارية، قال النووي في شرح صحيح مسلم: قَوْله: كَانَتْ اِمْرَأَة مَخْزُومِيَّة تَسْتَعِير الْمَتَاع وَتَجْحَدهُ، فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدهَا، فَأَتَى أَهْلهَا أُسَامَة فَكَلَّمُوهُ... الْحَدِيث, قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُرَاد أَنَّهَا قُطِعَتْ بِالسَّرِقَةِ, وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْعَارِيَة تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَهَا, لَا أَنَّهَا سَبَب الْقَطْع وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم هَذَا الْحَدِيث فِي سَائِر الطُّرُق الْمُصَرِّحَة بِأَنَّهَا سَرَقَتْ وَقُطِعَتْ بِسَبَبِ السَّرِقَة, فَيَتَعَيَّن حَمْل هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْن الرِّوَايَات, فَإِنَّهَا قَضِيَّة وَاحِدَة, مَعَ أَنَّ جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة قَالُوا هَذِهِ الرِّوَايَة شَاذَّة، فَإِنَّهَا مُخَالِفَة لِجَمَاهِير الرُّوَاة, وَالشَّاذَّة لَا يُعْمَل بِهَا، قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُر السَّرِقَة فِي هَذِهِ الرِّوَايَة، لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْهَا عِنْد الرَّاوِي ذِكْر مَنْع الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود, لَا الْإِخْبَار عَنْ السَّرِقَة، قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء وَفُقَهَاء الْأَمْصَار: لَا قَطْع عَلَى مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَة, وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته, وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق: يَجِب الْقَطْع فِي ذَلِكَ.

وانظر الفتوى رقم: 96405.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني