الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من حلف على يمين ولا يستطيع أداء الكفارة في الحال

السؤال

وقع بيني وبين أحد الأصدقاء اتصال بالهاتف، فعندما تحدثنا غلب على ظني أن هذا ليس صوته، حلفت له: لو أنك أنت صديقي فسوف أعطيك ألف دينار، ومن ثم تبين لي أنه هو. وأنا في الوقت الحالي لا أستطيع إعطاءه هذا المبلغ؛ لأن علي دينا، ولا أعمل، والمبلغ كبير حتى لو حصلت على المال.
فماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن حلف على يمين ولم يستطع الوفاء بها، لم يلزمه ما لا يستطيع تنفيذه في الحال؛ قال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286].

فإذا كنت لم تحدد وقتا للقيام بما ذكرت، فانتظر حتى تتوفر لك إمكانية تنفيذه، وإذا لم تعطه ما حلفت عليه، فإنه تلزمك كفارة يمين لحنثك.

قال خليل: وحنث إن لم تكن له نية، ولا بساط بفوت ما حلف عليه.

وقال الخرشي في شرحه: يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، وَفَرَّطَ حَتَّى تَعَذَّرَ حَنِثَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ بَادَرَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ فَكَالْمُؤَقَّتِ.

ولا تجب الكفارة إلا بعد اليأس من تنفيذ ما حلفت عليه؛ لأن اليمين غير المؤقتة بوقت معين لا يقع الحنث فيها إلا بالموت؛ ففي صحيح البخاري في قصة الحديبية أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست كنت تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه مُطوف به.

قال الحافظ ابن حجر وهو يعدد فوائد هذا الجزء من الحديث: وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة، لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني وهو يتكلم عن اليمين: وإن كانت على فعل شيء، فلم يفعله، وكان يمينه مؤقتة بلفظه أو نيته، أو قرينة حاله، ففات الوقت، حنث وكفر، وإن كانت مطلقة لم يحنث إلا بفوات وقت الإمكان؛ لأنه ما دام في الوقت والفعل ممكن، فيحتمل أن يفعل فلا يحنث؛ ولهذا قال عمرُ للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تخبرنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به ـ وقد قال الله تعالى: قل بلى وربي لتبعثن ـ وهو حق ولم يأت بعد. انتهى.

وقال الرحيباني في شرح غاية المنتهى: ( وإن حلف ليفعلن كذا وعين وقتا ) لفعله كلأعطين زيدا درهما يوم كذا أو سنة كذا ( تعين ) ذلك الوقت لذلك الفعل, فإن فعله فيه بر, وإلا حنث; لأنه مقتضى يمينه ( وإلا ) يعين للفعل وقتا بأن قال لأعطين زيدا درهما ( لم يحنث حتى ييأس من فعله ) الذي حلف عليه ( بتلف محلوف عليه، أو موت حالف ) لقول عمر: يا رسول الله؛ ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه وتطوف به. ولأن المحلوف على فعله لم يتوقف بوقت معين, وفعله ممكن, فلم تحصل مخالفة ما حلف عليه, وذلك يوجب عدم الحنث. اهـ.

وراجع في كفارة اليمين فتوانا رقم: 204.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني